مجلة البعث الأسبوعية

دياب مشهور.. أُعجب فريد الأطرش بلونه الغنائي وعرض عليه الذهاب إلى القاهرة

أمينة عباس

حملت أغانيه أشجان الفرات وعذوبته، ولقّب بمطرب الفرات وسفير الأغنية الفراتية، واعتُبر رائداً في هذا اللون الذي تميز به منذ بداياته وقد ظلَّ وفياً له، فكتب فيه ولحّن وحمله في أسفاره الفنية والغنائية إلى الوطن العربي وأميركا وأوربا، وبرحيله مؤخراً تفقد الساحة الغنائية علامة فارقة وبصمة خاصة لا تشبه أحداً.

فقر وجوع وغناء

في أحد حواراته الأخيرة في العام 2019 تحدث بألم عن طفولته الصعبة التي كانت مزيجاً من الفقر والجوع، إذ اضطر إلى أن يعمل في مهن مختلفة رغم صغر سنه.. ولامتلاكه صوتاً جميلاً وهو في عمر الخمسة عشر عاماً كان يغنّي في الأعراس، ومع كل عودة منها إلى البيت كان والده يضربه بالعصا خوفاً عليه من العودة ليلاً، والمفارقة أن والده كان يعزف على الربابة ويغنّي العتابا التي حذره من غنائها فيما بعد لأنها حزينة وتجلب الفقر كما قال له.

في دمشق

لم يكن في بال دياب مشهور أن يصبح مطرباً إلا حين بدأ يستمع للمطربين العراقيين آنذاك أمثال حظيري أبو عزيز ومن ثم ناظم الغزالي وتمنى أن يكون مثلهم، فتعلم الموسيقا على يد الموسيقي الكفيف يوسف جاسم، وأسس مع زملاء له نادياً فنياً وفرقة موسيقية في دير الزور، وبدأ الغناء على مستوى المحافظة فنال شهرة كبيرة، وبقي يغنّي المواويل والأغاني المحلية الفراتية، وعندما أنهى خدمته الإلزامية توجه إلى دمشق عام 1969 وتم تصنيفه كمطرب في الإذاعة بعد قرار لجنة مؤلفة من كبار الفنانين والملحنين، منهم نديم الدرويش وعزيز غنام وعمر النقشبندي على الرغم من أنه كان أمياً ولكنه كان يمتاز بالذكاء وحاسة السمع الرهيفة وسرعة الحفظ والبديهة، ويذكر دياب مشهور أن طعامه في دمشق كان في فترة نهاية الستينيات الخبز فقط، حيث كان يذهب إلى المطعم ويطلب خبزاً يابساً بحجة خروف يملكه ويريد أن يطعمه، فكان يبلّ الخبز بالماء ليأكله، وظل على هذا الوضع إلى أن عمل في ناد ليلي بعشر ليرات في اليوم عام 1970.

الانطلاقة

سطع نجم دياب مشهور في العام 1972 حين رشحه الملحن عبد الفتاح سكر للمخرج خلدون المالح للمشاركة في مسلسل “صح النوم” بطولة دريد لحام ونهاد قلعي وقدم فيه مجموعة من الأغنيات التي حققت نجاحاً كبيراً مثل “طولي يا ليلة، ميلي عليا ميلي” ثم دعاه المخرج خلدون المالح للمشاركة في تمثيلية ملح وسكر عام 1973 وغنى فيها “يا أبو ردين” و”عالمايا” اللتين حققتا نجاحاً كبيراً، فدعاه الإعلامي الراحل نذير عقيل لاستقباله في برامجه وإذاعة أغانيه، وأرجع دياب مشهور نجاح هذه الأغاني إلى أنها أغانٍ فراتية بسيطة بكلامها الواضح، وعندما رددها الأطفال قال: “هذا هو النجاح” ولا ينكر مشهور أن مشاركته في الأعمال التي أخرجها خلدون المالح هي التي شهرته وكانت انطلاقته الحقيقية ليتابع بعد ذلك الطريق وحده بعد أن قام الفنان دريد لحام بالتعاون معه في هذه الأعمال، كما لا ينكر الدور الذي قام به الملحن عبد الفتاح سكر بتشجيعه ودعوته للمشاركة في الحفلات التي كانت تقام آنذاك، مبيناً في حواراته أن أغلب أغنياته كانت من إنتاجه الخاص دون أن يدعمه أحد، وكانت رسالته فنية بالدرجة الأولى لإيصال اللون الفراتي الأصيل إلى الجمهور، وقد نجح في ذلك وترك بصمته.

مُلْك سورية

أحيا دياب مشهور حفلة في بيروت عام 1973 غنى فيها أغنياته، وكان الفنان الراحل فريد الأطرش من بين الحضور فأعجب بصوته وبهذا اللون الغنائي وعرض عليه الذهاب إلى القاهرة، لكن المخرج خلدون المالح لم يوافق وقتها وقال لفريد الأطرش هذا من أملاك سورية، وكان دياب مشهور يفرق بين اللون الفراتي واللون العراقي حيث اللون الفراتي أخف وأوضح من حيث الكلام والموسيقا وقد مزج بين النكهة العراقية والنكهة الفراتية، فصار عنده لون خاص وواضح لكل الوطن العربي، فلقي هذا اللون استقبالاً ومحبة من قبل الناس، خاصة بعد مسلسل “صح النوم” و”ملح وسكر” وهذا ما دعا بعض الفرق لاحقاً لإعادة توزيع أغانيه كفرقة سفر وفرقة تكات دون استشارته، مؤكداً أنه لم يرغب أن تطوَّر أغانيه ولا أن توزَّع بتوزيع جديد، ومع ذلك لم يعترض على ذلك لعل هذه الفرق تنجح، منوهاً إلى أنه لا يملك حقوقاً لأعماله وأغانيه، رافضاً فكرة بيع ممتلكاته من الأغاني والألحان، معتبراً إياها من حق جمهوره ومحبيه وبلده: “بعتُ كل شيء من أجل بلدي، وأنا لا أملك شيئاً سوى حب الجمهور وحب الناس لي، وحبي لوطني ولفنّي”.

اعتزال الفن

مع نهاية التسعينيات قرر دياب مشهور اعتزال الفن، موضحاً أنه أدى واجبه تجاه بلده على نفقته الخاصة: “كل ما أملكه أنفقتُه على الأغنية السورية الفراتية، مشيراً إلى أنه حتى لو طُلب منه التلحين والغناء فلن يقبل لأنه لم تعد لديه القدرة على العمل، وأنه اليوم يعيش على الذكرى والأمل بكل ما أنتجه.

صاحب الأغاني الراسخة

سافر دياب مشهور إلى العديد من البلدان مثل أميركا واليونان وإسبانيا وبريطانيا والفلبين وتايلاند والعديد من الدول العربية حيث التقى بالجمهور المغترب ولاقت أعماله نجاحاً كبيراً، وكانت وزارة الثقافة قد كرمته في العام 2019 ضمن احتفالية يوم الثقافة، وفي مطلع العام الحالي تعرض لجلطة دماغية وتدهورت صحتُه وفارق الحياة تاركاً وراءه إرثاً فنياً كبيراً، وقد نعتْه وزارةُ الثقافة ونقابة الفنانين قائلة: “نقابة الفنانين تنعي الفنان صاحب الأغاني الراسخة في وجدان الجمهور السوري والعربي” وقد تعامل مع كبار الملحنين السوريين أمثال زكي محمد وسهيل عرفة وعبد الفتاح سكر وأمين الخياط، ولحّن مشهور وكتب بعض أغانيه وطور بعضها عن تراث دير الزور.