خسائر تقزيم المازوت المدعوم!
علي عبود
يثير الإعلان عن توزيع مازوت التدفئة بالسعر المدعوم السخرية فعلاً، فأين هو هذا المازوت المدعوم؟
لقد تقزّمت كميات المازوت المدعوم من 1000 ليتر سنوياً إلى 100 ليتر فقط للأسرة الواحدة توزع على دفعتين بالكاد تكفي الواحدة منها أسبوعاً في الضواحي السكنية المجهزة بنظام الشوفاجات، وثلاثة أيام على الأكثر في الجبال شديددة البرودة!
ومع ذلك، فالحصول على دفعة الـ 50 ليترا مكلف جداً، فقد نجحت وزارة النفط بإلزام المواطنين بالوقوف في طوابير أمام شاحنات موزعي المازوت، وكل منهم يحمل بيدونين سعة الواحد 25 ليتراً، لأن الموزعين اعتمدوا آلية للتوزيع في أماكن ثابتة محددة من قبلهم مسبقاً، ومن لا يملك سيارة خاصة سيضطر لدفع أجرة تاكسي تعادل سعر الـ 50 ليتر مازوت!
وبما أن الكمية هزيلة فإن الكثيرين يرون أنها غير مجدية لهدرها خلال بضعة أيام، ويُفضلون بيعها في السوق السوداء وإنفاق ثمنها على احتياجات أساسية أخرى، أو شراء بدائل للتدفئة كمياتها أكبر وتكفي لمدة أطول من المازوت!
والمثير للدهشة أكثر ما أعلنه معاون وزير النفط: المازوت غير المدعوم بـ 2500 ليرة، فهل هذا الإعلان يعني أن بإمكان المواطن الحصول على حاجته من المازوت بسعر 2500 ليرة؟
بل هل يمكن للقطاعات المنتجة الصناعية والزراعية الحصول على احتياجاتها من المازوت بسعر 2500 ليرة لليتر؟ ومن أين؟
الجميع يعرف إن ما من فرد، أو منتج، في حقل أو مصنع أو في أية منشأة خدمية، يمكنه شراء المازوت بـ 2500 ليتر، فالكل يعتمد على السوق السوداء ففيها يجدون الكميات التي يحتاجونها ولكن بسعر لا يقل عن 8 آلاف لليتر الواحد!
ومهما بلغ سعر ليتر المازوت في السوق السوداء فهو ليس مهما بالنسبة للمقتدرين، فهم بالنهاية سيحمّلون سعره على تكلفة المنتج، أي من يدفع ثمن المازوت الأسود هم المستهلكون وليس أرباب الإنتاج الصناعي والزراعي!
وعلى الرغم من اعتراف عدة جهات حكومية بوجود سوق سوداء للمحروقات، فإنها لم تكشف عن المصادر التي تمد هذه السوق بالمازوت والبنزين، ولم تقم بضبط الرؤوس الكبيرة لمافيات المحروقات!
والملفت إنه ما من جهة حكومية أجابت على السؤال: ما تكلفة حجب المازوت المدعوم عن ملايين السورين؟
قد تكون المنشآت الصناعية والخدمية الوحيدة المستثناة من دفع التكلفة، لكن خسائر القطاع الزراعي هائلة وتصل إلى حد وصفها بالكارثة!
لم تستطع وزارة الزراعة تنفيذ خططها بإنتاج الإكتفاء الذاتي من الحبوب، أو الاكتفاء المقبول من الأعلاف بسبب عدم تأمين المازوت للمنتجين، سواء كان مدعوماً أو بالسعر الحر. وتعرضت محاصيل أخرى كالحمضيات إلى التراجع بسبب عدم تأمين المازوت اللازم لضخ المياه للمزروعات في مواعيدها المناسبة.
ومع أن الحرائق طبيعية في الأشهر الحارة فإن معظمها مفتعل، للاستفادة من الأشجار المحترقة في صناعة الفحم أو استخدامها للتدفئة!
ترى هل تنتظر وزارة النفط أو الزراعة من سكان الأرياف والجبال الاكتفاء بـ 50 ليتر مازوت بالكاد تكفيهم ثلاثة أيام، أو شراء احتياجاتهم من السوق السوداء.. وهم على مسافة أمتار من الأشجار أو الغابات؟
كلنا قرأ عن مصادرة شاحنات محملة بأطنان من حطب الأشجار، وغير المصادر منها أكبر بالتأكيد، بل لم يهتم أحد بالسؤال عن مصادر الحطب في الأسواق والتي يباع الطن منها بمليون ليرة!
ولا نعرف إن كانت وزارة الزراعة أنجزت دراسة عن الخسائر التي تعرضت لها الأحراج والغابات بفعل القطع الجائر لأشجارها لاستخدمها بالتدفئة، سواء مجاناً في الأرياف أو بثمن في المدن، فإذا فعلتها هل رفعتها لرئاسة الحكومة، وإذا لم تفعلها فهي مقصرة جداً بتسليط الضوء على الجريمة التي تسبّب بها شح المازوت!
الخلاصة: لم يعد المازوت مدعوماً، وما وفرته الحكومات المتعاقبة بتقزيم كمياته، من ألف ليتر إلى 100 ليتر سنوياً، حصدت، ولا تزال تحصد، نتائجه خسائر جسيمة في القطاع الزراعي وقطاع الدواجن، وخسائر ناجمة عن قطع أشجار الغابات والأحراج أو حرقها، وهذه الخسائر الجسيمة يحتاج تعويضها إلى عشرات السنين!