ثقافةصحيفة البعث

كنان أدناوي يفوز بالمركز الأول في مسابقة العود الدولية

أمينة عباس

ليست هي المرة الأولى التي يحصل فيها عازف العود كنان أدناوي على المركز الأول لمسابقة العود الدولية في لبنان التي أقيمت مؤخراً برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، وتنظيم معهد فيلوكاليا دار العود، حيث سبق وأن حاز على المركز الأول في مسابقة العود عام 2009 والمركز الثاني في أيام قرطاج الموسيقية في تونس 2010.

وسبق لأدناوي أن قدّم عدة حفلات موسيقية في دار الأوبرا في دمشق وفي حمص وحلب، ولم تكن هذه الحفلات عادية لعازف عود، بل كانت حدثاً موسيقياً بالنسبة لجمهور عوّده أدناوي على تقديم حفلات استثنائية تتجلّى فيها جمالية التناغم بين آلة العود والآلات الموسيقية المتنوعة وإبراز شكل جديد وتقنيات جديدة لهذه الآلة، في وقت كان يتألق أدناوي بعزفه وإحساسه العالي الذي يترجم تلك العلاقة القائمة بينه كعازف وبين آلته التي تتحوّل بين أنامله إلى روح يعانقها فيهيم بها ليقدّم معزوفات من لحم ودم يجمع فيها بين الموسيقا الكلاسيكية الشرقية العربية وأنماط التقنية الموسيقية العالية والعصرية التي امتلكها من خلال دراسته في الولايات المتحدة التي تابع فيها دراسته الموسيقية العليا مختصاً في مجال الارتجال المعاصر والتي حصل فيها على ماجستير في الموسيقا من جامعة نيو إنغلاند كونسفاتوري في بوسطن- أميركا، وقدّم حينها من خلال وجوده في أميركا العديد من الحفلات في عدة ولايات وجامعات، إضافة إلى مشاركته في ورشات عمل مع فنانين وفرق موسيقية.

مشروع فني  

تخرّج كنان أدناوي من المعهد العالي للموسيقا بدمشق 2008. وبعد غيابه لسنوات عديدة عن سورية والمكان الذي تخرّج منه بقصد إتمام دراسته الأكاديمية العليا أطلّ في حفل موسيقي رفيع المستوى أحياه في المعهد عام 2019، وفاء للمكان الذي درس فيه وما زال يعني له الكثير، وعزف فيه مقطوعات موسيقية من تأليفه كعزف منفرد ومقطوعات من التراث العربي والشرقي، ليرافقه بعدها طلاب آلة العود وقسم الموسيقا العربية بعزف جماعي، وليكون هذا الحفل خير تتويج لورشة العمل التي أشرف ودعا إليها المعهد العالي للموسيقا حينها، ليقدّم فيها أدناوي للطلاب خلاصة خبرته وتجاربه على صعيد التأليف والعزف على آلة العود، وكان فيها حريصاً على تعريف الطلاب بالتقنيات الجديدة للعزف على هذه الآلة والموسيقا الشرقية وأسلوب التعامل الجديد مع القطعة الموسيقية التقليدية انطلاقاً من مشروعه الفني الذي يهدف إلى تحرير آلة العود من سطوة الأطر التقليدية، ليحلّق بها عالياً نحو ارتجالات تنتقل بهذه الآلة المتجذرة في تاريخ المشرق العربي إلى فضاءات أكثر رحابة وسطوعاً. 

حضور متفرّد 

يرى أدناوي أن آلة العود تمتلك الكثير من الإمكانيات التي يمكن استثمارها بشكل موظف في الموسيقا الشرقية والغربية على حدّ سواء، وخاصة مع وجود عازفين أكاديميين يمتلكون مهارات، وأنه بهذه الأسلوبية سيتمّ تقديم موسيقا عربية ببعد عالمي يجذب الأنظار إليها كموسيقا عميقة ومعاصرة تحتفي بالأصيل والحديث معاً، موضحاً أن اهتمام العازفين المعاصرين بآلة العود يعود إلى تجذّرها في تراثنا العربي، فهي موغلة في القدم، ويرجع زمن وجودها إلى 2500 عام قبل الميلاد، حيث وجدت في بلاد ما بين النهرين في بابل وآشور، ووصلت الشام حوالي 1800 قبل الميلاد ومنها انتقلت إلى مصر في القرن السادس عشر قبل الميلاد، ثم انتقلت عبر رحلة طويلة ومتشعبة إلى الفرس والترك وغيرهما حتى وصلت إلى أوربا، منوهاً بأن آلة العود كانت ملازمة للحكماء والفلاسفة، وعلى مقاساتها المساحية والموسيقية كانت توضع نظريات الفلسفة، وفي العصور اللاحقة تحوّلت إلى آلة للطرب والغناء، وخاصة في القصور، إلى أن جاء زرياب ودفع بها بقفزة تطويرية نحو الأعلى وزاد الوتر الخامس عليها، لتتحوّل تدريجياً إلى آلة مصاحبة للغناء لا تظهر وحدها، إلى أن جاء فريقٌ من العازفين الذين وجدوا فيها مساحات للتأمل، فابتعدوا فيها عن الغناء، وصارت صاحبة حضور متفرّد.

جوّ 

رأت معزوفة “جوّ” لأدناوي النور في أمريكا سنة 2005 مستلهمة روحها من قراءات مؤلفها آنذاك، وتركّزت على الفكر الصوفي ومن أعلامه ابن عربي وجلال الدين الرومي والحلاج وغيرهم، وقد ألّفها بروح آلة الناي، لكن إقامته في أمريكا حالت دون وجود عازفِ ناي بالمستوى المطلوب، لذلك قرّر تسجيلها مع آلة الكلارينات الغريبة عن هذه النوعية الموسيقية، وكان ذلك أمراً مستغرباً بدايةً، لكن النتيجة التي أثمرت عن ذلك كانت خارج التوقعات وتركت أثراً كبيراً في نفوس المتلقين والعازفين، ما جعل أدناوي يختارها عنواناً للأسطوانة التي ضمّتها والتي أدرج فيها أيضاً الأغنية التراثية “عالاّلا” لتكون ضمن مشروعه الفني الآلي الجديد بلحنها البسيط الذي يردّد صدى القدامى بعيداً عن النص، ليشير أدناوي بذلك إلى ضرورة عدم قطع العلاقة مع الماضي إن كنا نريد تحقيق التواصل مع الحاضر.

طريق إلى دمشق 

يُذكر أن أدناوي عازف عود سوري من عائلة موسيقية كان شقيقه أستاذه الأوّل قبل أن يدخل المعهد العالي للموسيقا في دمشق ويدرس بشكل أكاديمي مع أساتذة متخصصين في العود، حيث درس في المعهد على يد الأستاذ الأذربيجاني عسكر علي أكبر، وشارك في الكثير من ورشات العمل في سورية وخارجها، وقدم عروضاً موسيقية بشكل منفرد وجماعي كفرقة وجوه للموسيقا الشرقية، والفرقة السيمفونية الوطنية، ومهرجان الجاز، وله مشاركات متعدّدة في مهرجانات محلية ودولية في العديد من الدول الأوربية: إيطاليا، ألمانيا، سويسرا، إنكلترا، النمسا، بولندا، وفي الولايات المتحدة. وقدم حفلات على مسارح مهمة كقاعة “الألبرت هول” في لندن و”أوبرا لاسكالا” في ميلان، ومسرح “الشانزيليزيه” في باريس، ومن مؤلفاته نذكر: طريق إلى دمشق، تحية وهي واحدة من المقطوعات التي ألّفها عام ٢٠٠٨ ضمن ألبوم “جو” فانتازيا العود، من أوغاريت، حكاية حب، بحر، ووضعها أدناوي في العام 2004 ليتمّ عزفها في دمشق ضمن مهرجان لموسيقا الجاز، ومن ثم قُدّمت في مناسبات عديدة، مزاج، افتتاح تموز، أمنيات يومية.