هل تنهار حكومة تراس أم بريطانيا بأكملها؟
تقرير إخباري:
رغم تغيّر المعايير التي تحكم الدول والعلاقات الدولية في ظل الاقتصاد العالمي الجديد، ما زالت بريطانيا تحنّ إلى عصور الظلام، ولعب دور المتآمر والمسيطر على الشعوب ليس فقط الضعيفة بل حتى الأوروبية، وتوجّهها نحو الحضيض حفاظاً على هيمنتها، وعلى الرغم من الفشل الاقتصادي الذي مُنيت به إبان موقفها الداعم حتى التماهي لنظام كييف، تعود إلى إطلاق تصريحات خلّبية لصبّ الزيت على نار مشاعر ذلك النظام المتهاوي واعدةً إيّاه بالدعم حتى “النصر”، ولا نعلم إن كانت تقصد “الدعم حتى الدمار الشامل” على اعتبار أنها لمّحت إلى مساعدته في عمليات إعادة الإعمار بعد “الانتصار” المزعوم.
وفوق ذلك، فإنّ النظام البريطاني فخور بما ينفذ من مؤامرات، ففي تصريح لخارجيته ورد أنّ “بريطانيا بتقديمها الدعم لأوكرانيا، أظهرت أنها لاعب في الساحة السياسية الدولية، وليست مراقباً فقط”، وتفتخر بريطانيا بما سمّته “صموداً أسطورياً”، رغم أنّ معظم التحليلات الاقتصادية والمالية كشفت أنّ بريطانيا كانت الأكثر غباءً إبان التضخم الكبير الذي مُنيت به الدول الغربية.
وبعد الفشل الذريع لرئيس الحكومة السابق بوريس جونسون، جاءت الطامة الكبرى على يد رئيسة الحكومة الجديدة ليز تراس التي بدأت بمحاربة التضخم بدعم الطاقة وخفض الضرائب وخاصة على كبار الملّاك، وكلا المقياسين ساهما في رفع معدلات الإنفاق في الميزانية بمعدل 150 مليار جنيه إسترليني، وطبعاً تغطية مثل تلك المبالغ في خضم الركود الذي تعانيه لن يتمّ إلا بطباعة المزيد من النقود دون رصيد ولاحظنا كيف هوت قيمة الجنيه في وقت قياسي.
والآن يحاول بنك إنجلترا إجراء الإنعاش السريري للاقتصاد عبر عمليات التدخل وضخّ النقد الأجنبي لدعم الجنيه، والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي سيحدث لعمليات الإنعاش المؤقتة تلك بعد نفاد الاحتياطي الأقل من عادي والمقدّر بنحو 80 مليار دولار فقط؟.
وفي تخبّط ملحوظ تراجعت الحكومة عن إلغاء التخفيضات الضريبية، وكأن وقتها يسمح لها بإجراء التجارب على اقتصادها، مع تأثرها بالتجارب الأوروبية المتضمّنة إخضاع الشركات لتثبيت الأسعار بغض النظر عن الكلف والتضخم، أو تثبيت بدلات إيجار المنازل، وهذا سيزيد الشلل الاقتصادي والتضخم مجدّداً.
واعتبر مسؤولون بريطانيون أنّ التراجع عمّا تم اتخاذه جاء متأخراً لأن الميزانية المصغّرة التي وضعتها تراس أدّت إلى زيادة الرهن العقاري على عدد كبير من العائلات.
وحتى تراس ذاتها أقرّت بأنه كان عليها أنّ تعدّ خطتها للتخفيض الضريبي التي أعلنت عنها سابقاً بشكل أفضل، مدعيةً أنّ الخطأ كان في عدم التمهيد المناسب أو إيجاد الأرضية المناسبة لفرض تلك الإجراءات القاسية، التي من وجهة نظرها ستبقي بريطانيا في “المقدمة”.
من جهة أخرى، تشير معلومات إلى قرب إفلاس أكبر البنوك الأوروبية مثل “كريديه سويس” و”دويتشه بنك”، ومن المعلوم أن البنوك في أي منطقة تشبه أحجار الدومينو وسقوط أحدها سيتسبّب بسقوط الجميع خلفها، وهذا مؤشر خطير يُفترض ألا يغيب ثانية عن أذهان صنّاع القرار سواء في بريطانيا أم أوروبا، الذين يصرّون على استفزاز روسيا وتحدّيها حتى اللحظة.
وتحاول بعض الأصوات العقلانية في بريطانيا لفت النظر إلى خطورة ما يعصف بالبلاد، فقد قامت على سبيل المثال نادين دوريس، الوزيرة البريطانية والحليفة البارزة لرئيس الوزراء السابق، بدعوة تراس، إلى إجراء انتخابات عامة للحصول على تفويض لسياساتها، بعد الاستياء الواسع النطاق الذي تحقق إبان سياستها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من نصف البريطانيين يعتقدون أنّ تراس يجب أن تستقيل من منصبها، مع وزير الخزانة كواسي كوارتنغ.
كذلك وقّع أكثر من 191 ألف بريطاني على عريضة تدعو إلى إجراء انتخابات عامة فورية في البلاد، بسبب عدم الرضا عن خطة الحكومة الجديدة التي باتت تشكّل تهديداً لبقاء بريطانيا.
أيضاً هناك تحرّكات برلمانية ساعية نحو هدف حجب الثقة عن تراس لعدم رضاهم عن سياساتها.
وفي الختام فإن التمحيص فيما يحصل يقود إلى توقّع الفشل القريب لتراس كما فشل سابقها جونسون وستتنحى أو تُقال بطريقة ما، أما من سيخلفها فسيكون أمام خيارين: إما التخلي عن الدور الاستعماري، وإما إكمال الطريق الوعر نحو الانهيار أو الانقسام الداخلي المترافق مع مؤشرات كثيرة لانهيار الاتحاد الأوروبي في ظل متابعة دعم الصراع في أوكرانيا.
بشار محي الدين المحمد