د. دخل الله: عنوان التّحوّل التّاريخي القادم هو “البرّ يحاول استعادة سيطرته ضدّ البحر”
نجوى صليبه
خلال مشاركته في النّدوة التي أقامها اتّحاد الكتّاب العرب بعنوان: “طريق الحرير.. تاريخ وآفاق مستقبلية”، ركّز الرفيق الدكتور مهدي دخل الله، عضو القيادة المركزية للحزب، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام المركزي، على الجانب الجيواستراتيجي الذي يتعلّق بامرين أساسيين: الأوّل أهمية مناطق جغرافية معينة في إطار التّواصل بين أجزاء العالم، والثّاني محاولة السّيطرة على الثّروات الاستراتيجية، وقال إن العنوان الأساس للتّحوّل التّاريخي الذي يحدث أو ربّما بحاجة لمائة عام حتّى يحدث هو أنّ البرّ يحاول استعادة سيطرته ضدّ البحر، فمنذ الثّورة الصّناعية ونحن نعيش عصر البحر، وكان العامل الاستراتيجي الأكثر أهميةً هو السّيطرة على البحار ومضائقها، لأنّها تؤمّن التّجارة العالمية وطرق التّواصل العالمي عبر البحر، ويحاول مشررع طريق الحرير الآن إعادة مملكة البر ضدّ ممكلة البحر وسيكون الخاسر استرايجياً هنا هما الولايات المتحدة وبريطانيا.
وأضاف دخل الله: عربياً.. بوادر الثّورة الصّناعية بدأت في الدّولة العباسية، واعتمدت على ثلاثة أمور: الأوّل أن تكوّن من الرّيع التّجاري كميات احتياطيّة هائلة تستخدم في الصّناعة، والثّاني تقسيم العمل، والثّالث تطبيق العلم ليكون أداة من أدوات الإنتاج، لكن حدث انقطاع تاريخي وماتت الدّولة العبّاسية لأسباب كثيرة منها اكتشاف رأس الرّجاء الصّالح.
وبيّن دخل الله أنّ الجديد هنا هو أنّ الأمر لن ينحصر في التّطوّر التّكنولوجي والطّرق فحسب، بل سيتعّداه إلى التّعاون التّنموي، أي تقسيم العملية الإنتاجية بين دول العالم القديم، وتقسيم الإنتاج على مستوى العالم بحيث يصبح هناك تكامل إنتاجي، موضّحاً: أمّا نحن في الوطن العربي فماذا سيحدث لدينا؟ يجب أن نكون موضوعيين، ويجب أن يكون تفاهمنا مع الصّين تنمويا اقتصاديا.. نحن سنخسر قناة السّويس، ولدينا مشكلة كبيرة في الصّراع العربي ـ الإسرائيلي، فالكيان الصّهيوني يحاول أن يكون بديلاً لسورية في طريق التّرانزيت القادم من الخليج والعراق إلى طرطوس وبيروت واللاذقية ومن ثم إلى البحر، وهو منذ 15 عاماً يبني أهم ميناء وهو ميناء حيفا، والصّين أحد العاملين فيه، لذلك الخطر التّنموي هو أن تخسر طرطوس واللاذقية وبيروت وطرابلس مواقعها الاستراتيجية بسبب ميناء حيفا ولاسيّما أنّ هناك شركات تسعى إلى مدّ خط حديدي من حيفا إلى الأردن والسعودية فالخليج، وهذا ما يجعلنا في سورية نهتم اهتماماً ضرورياً بطريق الحرير.
وتابع دخل الله: أمّا الجانب الجيوبوليتيكي فهو الصّراع للسّيطرة على العالم، أي ماهو الموقع الجغرافي لأي دولة في إطار مشاريع السّيطرة، والوطن العربي مهمّ بالطّاقات والثّراوات الموجودة فيه، لذا سيكون الوطن العربي في العصر المقبل المنطقة الجيواسترايتجية الأكثر أهمية بالنّسبة للثّروات وليس للتّرانزيت والتّواصل فحسب.
بدوره، تحدّث الدّكتور محمد الحوراني رئيس اتّحاد الكتّاب العرب عن الدّور الثّقافي الذي يلعبه طريق الحرير، وقال: يعود تاريخ طريق الحرير إلى القرن الثّاني قبل الميلاد، ويشير الاسم إلى شبكة الطّرق البرية والبحرية التي ربطت الصّين وأووربا مروراً بالشّرق الوسط، بطول يتعدّى عشرة آلف كيلو متر أمّا الطّريق الجديد فهو مشروع صيني عملاق قامت به الصّين على أنقاض طريق الحرير القديم، بهدف ربط الصّين بالعالم عبر استثمار مليارات الدّولارات في البنى التّحتية على طول هذا الطريق، ويساهم طريق الحرير بتأطير الفعل الثّقافي وتعزيزه والذي يرتكز إلى تاريخ متجذر من الحوار الحضاري والتّبادل الثّقافي والمعرفي والعلمي بين الصّين والدّول العربية، مبيناً: تاريخياً كان لهذا الطّريق إسهامات كبيرة في تعزيز التّبادلات التّجارية والاجتماعية والثّقافية بين الجانبين، ولعلّ أهمّها كتاب “ألف ليلة وليلة”، وتالياً من الواجب علينا اكتشاف الرّصيد الثّقافي الحافل بهذه الدّول والاستفادة منه وتعزيز الحوار والتّنمية بين الحضارتين العربية والصّينية من خلال مقوّمات الثّقافة المميزة واندماجها على أساس التّبادل المتكافئ والتّسامح والانفتاح على الآخر، وتنمية هذه العلاقات لا تحتاج إلى دعم اقتصادي وسياسي فحسب على الرّغم من أهميتها، بل بحاجة إلى القوّة النّاعمة المتمثّلة بالفكر والثّقافة والعلوم، منوّهاً بضرورة تعليم اللغة الصّينية من خلال إقامة الدّورات التخصصية والزّيارات الأدبية والثّقافية.
وأمّا خصائص طريق الحرير الجغرافية، فبيّن الدّكتور بهجت محمد أستاذ الجغرافيا في المعهد العالي للتّخطيط الإقليمي بجامعة دمشق: طريق الحرير هو المكان الذي سارت عليه القوافل التّجارية قبل أن يكون نشاطاً اقتصادياً، لذلك سننظر إلى الطّرق التي سارت عليها القوافل من الصّين إلى المشرق العربي ومن ثم أوروبا، وهي طريق طويلة وقاسية، بعضها كان مأهولاً وبعضها لا، وظهرت على هذا المسار محطّات كثيرة، كما أنّ طريق الحرير مرّ بعدد كبير من المدن التّاريخية مثل دمشق وتدمر وحلب باتّجاه الجزيرة والعراق، واليوم عندما تطرح الصّين الشّعبية مشروعها الجديد فهي تقصد تحريك الاقتصاد بالنّسبة لكلّ الدّول التي يمرّ بها الطّريق وهو تنموي وليس مجرّد عبور بضائع، في الإطار الوطني للتّخطيط الإقليمي الذي تمّ إقراره منذ أشهر أُخذ بالحسبان طريق الحرير وكيف يمرّ وما هي المسارات وصولاً إلى المرافئ السّورية، موضّحاً: نحن من يعطي طريق الحرير خصائصه، فبمقدار ما يكون لدينا بنى تحتية وتسهيلات في مشاريع التّنمية بقدر ماتكون استفادتنا أكبر، نحن نتشارك في هذا المشروع مع عدد كبير من الدّول لذلك الرّبط بينها كلّها هو أساس في نجاحه.
“دور الرّحالة في تعزيز العلاقة بين الشّعوب” هو عنوان المحور الذي تحدّث به الرّحالة عدنان عزّام، يقول: منذ أشهر وأنا أعيد اكتشاف عالم “طريق الحياة.. طريق حوار الحضارات” لأنّه يمثّل جزءاً من ذاكرتنا وثقافتنا ولا سيّما أنّي أرحل منذ بداية حياتي وأقرأ ما كتبه من ارتحلوا عبر العالم، مثل ابن بطوطة وابن جبير الأندلسي وأحمد بن حنبل، كان لهم اكتشافاتهم الجغرافية لكنّ الأمر الأكثر أهمية هو دورهم في تعميق الصّلات الثّقافية والإنسانية بين الشّعوب، ومهما تقدّمت التّقنيات الحديثة ووسائل النّقل فإنّها لن تحلّ محلّ الرّحالة لأنّه وحده القادر على وصف الحالة التي تعيشها الشّعوب ولأنّ تأثير الرّحالة ساحر على المكان الذي يصل إليه، إذ يصبح شاغل النّاس، والرّحلة القادمة بإذن الله ستكون من بكين إلى دمشق وهي مسافة عشرة آلاف كيلو متر وتستغرق سنة كاملة تقريباً.
بدوره، تحدّث يعرب خير بيك رئيس تحرير “مرصد طريق الحرير” عن دور الإعلام في إظهار أهمية هذه الرّحلة في التّواصل الإنساني والإضاءة على مبادرة حزام الطّريق التي أطلقها الرّئيس الصّيني عام 2013، ويقول: دورنا يعتمد على معرفتنا بهذه المبادرة، مقاصدها ومبادءها، لأنّ سورية معبر أساس بين الشّرق والغرب.