ثقافةصحيفة البعث

تاتيانا أبو عسلي: “دعاء” قصة حقيقية اجتهدت لتقديمها بجرأة

أمينة عباس

بعد فيلمها “الرجل الصغير” الذي فاز بالجائزة الفضية في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة في دورته السابعة عام 2020 تتابع تاتيانا أبو عسلي شغفها بفنّ السينما وانحيازها لقضايا الأطفال، فبعد أن اختارت في “الرجل الصغير” يوماً يعيشه طفل يتحمل الكثير في سبيل مساعدة أسرته تعود كاتبة ومخرجة في فيلمها الجديد – إنتاج المؤسسة العامة للسينما – “دعاء”، والذي انتهت من تصويره مؤخراً لتقصّ حكاية الطفلة دعاء.

ما هي قصة دعاء؟

قصة الطفلة دعاء في الفيلم حقيقية، وهي كانت تتسول في منطقة ساروجا طيلة النهار لتقدم المال لوالدها الذي كان يعنّفها ولا يدخلها إلى المنزل إلا إذا عادت وبيدها مبلغ معين يصرفه على الشراب إلى أن تتعاطف معها إحدى السيدات وتتبنى قضيتها لأنها تؤمن أنه من غير الطبيعي أن يكون هؤلاء الأطفال في الطريق ونبقى متفرجين، فتحاول مساعدتها وأثناء ذلك تواجه عقبات كثيرة في مقدمتها القوانين التي يحاول الفيلم مناقشة فحواها وجدواها وثغراتها.

وصفت فيلمك “دعاء” بأنه صعب وفريد.. أين كانت الصعوبة؟ وما الذي يجعله فريداً؟

لأنه يتكلم عن قصة حقيقية وقضايا حساسة لم نعد ننتبه لها، وقد اجتهدتُ لتقديمها بطرح جريء، وكان فريداً لأنني صورتُ كل المشاهد فيه بطريقة اللقطة الواحدة “One Shot”، وهذا كان تحدياً  كبيراً على الرغم من أنني سبق واعتمدت هذه التقنية في تصوير المشاهد إلا أن الظروف كانت مساعدة على فعل ذلك بعكس الظروف التي رافقت تصوير “دعاء”، حيث كان التصوير خارجياً ضمن سوق يضم عدداً كبيراً من الكومبارس والمتسولين والأولاد ورجال الشرطة، وبالتالي كان عليّ وعلى فريق العمل بذل جهد كبير لضبط المَشاهد ونقل كل الأحاسيس والمشاعر، وهذا ما جعلني أصفه بأنه فريد، لذلك أتمنى أن أمتلك القدرة على تقبّل الأشياء التي لا يمكن تغييرها والشجاعة لتغيير الأشياء التي يمكن تغييرها والحكمة لمعرفة الفرق بينهما، ومن المهم أن نكون شجعاناً لنستطيع أن نجري تغييراً، ومن المهم معرفة ما نستطيع تغييره وما لا نستطيع.

مع كل فيلم هناك تحديات كثيرة.. ككاتبة ومخرجة ما هو التحدي الأبرز بالنسبة لك؟

التحديات التي واجهتُها كثيرة، فالفيلم صعب ومَشاهده صعبة وحواراته طويلة، لذلك كان كل تفكيري في كيفية تقديم اللقطة الواحدة بطريقة غير مملة بحيث لا ينفصل إحساس المُشاهد عن إحساس الممثل بالتقطيع، وأن يبقى مشدوداً بالحوار، ولا أنكر أن طريقة اللقطة الواحدة أمر صعب لأن نجاحها بحاجة لتوفر الوقت الكافي والتدريب الجيد، مع حضور إحساس الممثل بشكل دائم، وهذا كله على أرض الواقع لأن الوقت محدد لإنجاز الفيلم بأيام معينة، كما يجب أن لا ننسى أن من يحمل كاميرا وزنها يصل إلى 70 – 80 كيلو، وبالتالي فإمكانية الإعادة منهكة له، وهذا ما جعلني في تحدّ كبير لإنجاز المشهد دون الحاجة للإعادة، وهذا أمر يتطلب الكثير في ظل وجود مَشاهد طويلة جداً قمتُ في بعض الأحيان بتجنب إعادتها لأن ذلك يسبّب إرهاقاً كبيراً للمصور، وأعترف أنني لستُ راضية عنها، أما التحديات الأخرى فتتمثل في التصوير الخارجي في السوق والشارع والمقاهي وسيارات الشرطة والعدد الكبير من الكومبارس، مع وجود عدد كبير من الناس، فكان التحدي الكبير ضبط موقع التصوير، وهنا لا بد من شكر المخرج المنفذ فراس الحمصي الذي كان له دور كبير في ضبط الأمور والمَشاهد، بالإضافة إلى أنني كنتُ أمثّل دوراً رئيسياً في الفيلم، وكنت مخرجة بنفس الوقت، وهذا شكّل لي ضغطاً كبيراً، حيث كان مطلوباً مني أن أعمل كمخرجة في رسم الحركة وضبط اللوكيشن وارتداء ملابس الشخصية والتمثيل دون الوقوع في أخطاء، وهو أمر في غاية الصعوبة لأنني كنت أصل إلى مرحلة أفقد فيها تركيزي، وهنا لا بد أن أذكر أن مساعدة باسل سراولجي مدير الإضاءة والتصوير وفراس الحمصي المخرج المنفذ كانت كبيرة وجعلتني أشعر بأمان بأن المَشاهد تُنفذ بشكل صحيح.. ومن جهة أخرى أؤكد أن الفيلم كان يحتاج إلى ميزانية كبيرة، والميزانية المعتمدة كانت متواضعة، فكان التحدي تقديم أفضل شيء بأقل الإمكانيات في تجربة كانت جديدة بالنسبة للكادر كتقنية اللقطة الواحدة لمَشاهد كبيرة.

متى كانت الكتابة بالنسبة لك حاجة ومتى كانت رغبة؟

السؤال إشكالي لأن الكتابة بالنسبة لي حاجة ورغبة بنفس الوقت، فأنا أكتب لأنني أكون متبنية لشيء مؤثر بي وأنا بحاجة لأن أفرغ ذلك الشيء أو عندي مشاعر كثيرة تجاه هذا الموضوع فأكتب لأنني بحاجة إلى أن أفرغه ورغبة لأنني أرغب أن يكون الجميع متبنياً المواضيع الإنسانية والاجتماعية، وخاصة مواضيع الأطفال والمستضعفين، فعندي رغبة أن نلاقي حلاً ونفتح عيون العالم وأن أوقظ الضمير وأن أزعج العالم بالوجع الموجود وألا يغضوا نظرهم فالفنان إذا لم يكن متبنياً لقضية ما وإذا لم يعمل لشيء إنساني وإذا كان يريد أن يعمل فقط لنقود ونجومية فهو ليس بفنان، ويجب أن تكون هناك قضية متبناة.

هل هناك موضوعات تناسب السينما أكثر من المسرح أو تناسب المسرح أكثر من السينما؟

بين المسرح والسينما لا يوجد اختلاف على صعيد تناول الموضوعات، والاختلاف يكون في شكل النص فقط، لكن الفن بشكل عام (سينما، مسرح وتلفزيون) يعتمد على الموضوعات الإنسانية وكل ما يتعلق بالإنسانية هو فن، والفن دائماً يخرج من الأزمات والمشاكل والنواقص والحرمان، والمسرح أبو الفنون وهو أول الفنون ومع تطور التقنيات وطريقة الفرجة والعرض والتقنيات المُستخدمة ظهرت الفنون الأخرى، وجميعها تناولت مواضيع إنسانية بالدرجة الأولى.

بماذا تختلف كتاباتك عن كتابات الأخرين؟

كل كاتب يضع روحه بما يكتبه، فيتناول ما يشبهه، والأهم في الكتابة أن يتبنى الكاتب ما يطرحه حتى لا تكون الكتابة بالنسبة له مجرد مهنة، وأنا لا أكتب أو أخرج أو أمثل بهدف الشهرة  بل لأعبّر عما في داخلي ولأطرح القضايا التي أتبناها بصدق، فأكتب ما يشبهني وما يؤرقني، لذلك تستنزف مني الكتابة الكثير من روحي وطاقتي وصحتي وتفكيري ومشاعري، وأحاول دائماً أن أكتب بجرأة وأن أغوص في العمق عن مواضيع معروفة لا يجرؤ أحد على تناولها، وتغريني كثيراً القضايا المتعلقة بالأطفال انطلاقاً من ايماني بالمسؤولية تجاههم والمحاولة لأبعد الحدود لإيجاد حلول لأي مشاكل نعاني منها.