غياب الروح الرياضية… نقطة سوداء جديدة في دوري كرة القدم والعقوبات هي الحل الإسعافي
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
تمثل الروح الرياضية أسمى ما يمكن أن يتهذب به أي رياضي، ولو كانت المنافسات الرياضيّة خالية منها لشاهدنا حروباً بين المتنافسين تشبه المعارك الحقيقية نتيجة التعصب والرغبة بالفوز، ورغم أن هذا شيء مشروع إلّا أن تحقيق الانتصار على حساب الأخرين خاصة في حالات وجود إصابة وضعف عند الخصم هو أسوأ ما يمكن أن يحصل.
وربما يكون لكرة القدم الحصة الأكبر تاريخياً من الأحداث التي تخلو من الروح الرياضيّة، نظرا ًلطبيعتها كلعبة جماعية وشعبية يمتدّ تأثيرها لخارج المستطيل الأخضر، وللأسف في الأعوام الأخيرة غابت هذه الروح في كثير من الأوقات عن كرتنا ومبارياتنا المحلية وحتى الخارجية.
ولا تكاد تخلو جولة في الدوري الممتاز من مشكلة أخلاقية، وأخرها ما حدث في قمة الجولة الثالثة من الدوري بين فريقي الأهلي والوحدة، والتي أعقبها الكثير من الجدل والانتقادات لقرار الحكم وتصريحات مدرب الأهلي وردود أفعال اللاعبين من الطرفين، وقبلها بأسبوعين تقريبا ًوأثناء مباراة منتخبنا الشاب أمام نظيره الأردني في التصفيات الآسيوية، وبعد إخراج الحارس الأردني الكرة ليتم علاج مهاجمنا فوجىء الجميع بعدم إرجاع لاعبينا الكرة للمنافس واستغلالهم للكرة ومع ذلك دون جدوى.
أما أسوأ حادثة من هذا النوع كانت من نصيب منتخبنا الأولمبي في كأس آسيا عام 2014 والتي اضطر اتحاد الكرة وقتها لإرسال كتاب اعتذار للاتحاد الآسيوي عن تصرف لاعبينا واستغلالهم إرجاع الكرة من الخصم والتسجيل، فلما تتكرر هذه الحوادث في ملاعبنا؟ ألا يوجد رادع قانوني يجبر اللاعبين على الامتثال ولو عنوة للروح الرياضية وتقبل الخسارة!؟ وكيف يتم التعامل مع مثل هذه الحالات في أوروبا مثلاً؟
لا تعتبر كرتنا شاذة فيما يخص الالتزام بالروح الرياضية وخاصة في المواعيد الكبرى، بل هي سمة عربية نشاهدها للأسف في كل البطولات العربية، سيما الديربيات والمباريات النهائية، بينما تغيب في الملاعب الأوروبية مهما كان الجو مشحوناً بين الجماهير، وإن حصل خطأ غير مقصود يقوم الطرف الآخر بتعويضه كما حصل في الدوري النرويجي موسم 2012، عندما كانت النتيجة تشير إلى تقدم فريق بران على ليلستروم بواقع 3-2، أصيب أحد لاعبي الفريق المهزوم، واضطر زملاؤه لإخراج الكرة من الملعب حتى يتلقى العلاج، ولما أراد لاعب بران إريك ميلدي إعادة الكرة للفريق المنافس، كنوع من قواعد الروح الرياضية المتبعة، دخلت الكرة المرمى بعدما فشل حارس ليلستروم بالتقاط التمريرة العالية، فما كان من اللاعب الذي سجل الهدف إلا أن اعتذر مباشرةً، وقام مع زملائه بمنح هدفٍ مجاني للفريق الخصم كتعويضٍ عن الحادث غير المقصود.
وإذا أردنا الحديث عن الحلول، أول ما يمكن أن يتبادر إلى أذهاننا العقوبات الرادعة بحق اللاعبين كما حصل في حالة مباراة الأهلي والوحدة، لكن هل يوقف هذا السلوك هذه الظاهرة؟ بالتأكيد لا، حيث يتوجب العمل على أساس المشكلة، ويتم ذلك من خلال الإعداد النفسي للاعبين، والذي يقوم على ثلاثة محاور أساسية: الذهني من حيث التعامل بالعقل، والروحي من حيث التعامل مع القيم والمبادئ، والنفسي من حيث ضبط الانفعالات والمشاعر، فالحالة النفسية تلعب دوراً مهماً وأساسياً بإعداد اللاعب وتجهيزه للمباريات، وهي عملية مركبة لها أهميتها بتحسين الحالة المزاجية للاعب أو تدهوره وهبوط مستواه، ويتوقف عليها نجاحه وفشله بالمباريات.
ولأن أحداث المباريات لا تخلو من التوترات والضغوطات، فإن التحضير النفسي لا يقل أهميةً عن التحضيرين الفني والذهني، وهنا يبرز دور الإدارة الناجحة والتي تعمل باحتراف، والتي تعمل على إعداد وتجهيز لاعبيها معنوياً وتدريبهم على تقبل الهزيمة كالفوز بروح رياضية وأخلاق عالية، وغالباً ما تحقق الفرق التي تنجح إدارتها بذلك البطولات، وللأسف هناك إدارات وخاصة في دورينا تحتاج هي لضبط نفسها وانفعالاتها أولاً قبل أن تطبق ذلك مع لاعبيها.
وبالحديث عن أسوأ حالات انعدام الروح الرياضية في تاريخ كرة القدم، فإن البداية بحادثة مشابهة نوعا ًما لما وقع في دورينا ولكن من مهد الكرة انكلترا وتحديدا ًبطولة كأس الاتحاد الإنكليزي موسم 1999، الذي شهد الدور الخامس منه هدفاً سيئاً للغاية عندما كان التعادل بهدف لمثله بين أرسنال وضيفه شيفيلد يونايتد قبل ربع ساعة من نهاية المباراة، ليسقط موريس لاعب شيفيلد مصاباً، وأشار ديفيد سيمان حارس أرسنال لنظيره آلان كيلي بتسديد الكرة خارج الملعب، ليتلقى اللاعب العلاج، لكن لاعب أرسنال الذي نفذ رمية التماس، أوصل الكرة لنوانكو كانو الذى مررها لمارك أوفر مارس مسجلاً هدف الفوز، وسط اعتراضات كبيرة من لاعبى شيفيلد، ولكن ماحدث هنا أن مدرب المدفعجية أرسين فينغر وإدارة أرسنال وافقوا على إعادة المباراة، وجدد أرسنال الفوز بهدفين لهدف.
وفي موسم 2013 من الدوري الألماني سدد ستيفان كيسلينغ لاعب باير ليفركوزن رأسية إثر ركلة ركنية، ولكن الكرة مرت من خارج شباك هوفنهايم قبل أن تظهر داخل المرمى، لوجود ثقب في الشباك، وأظهرت ردة فعل اللاعب أن الكرة لم تسكن الشباك من الأساس، ولكن الحكم فيليكس بريش احتسبها هدفاً لأنه لم يرها جيداً، والمثير أن اللاعب لم يوضح له حقيقة الأمر، واحتفل بالهدف مع زملائه، المؤسف أن هوفنهايم خسر المباراة بهدفين لهدف، وبعدها بأيام خسر استئنافه من أجل إعادة المباراة.
وفي دوري أبطال أوروبا موسم 2013 عاقب الاتحاد الأوروبي اللاعب البرازيلي أدريانو بالإيقاف مباراة واحدة، بعدما وجه له تهمة انتهاك مبادئ السلوك الرياضي، على خلفية تسجيله هدفاً مثيراً للاشمئزاز مع فريقه شاختار دونتسيك الأوكراني عندما كان يواجه فريق نورشيلاند الدنماركي، حيث أصيب أحد لاعبي نورشيلاند ليتوقف اللعب، ثم قام الحكم بإسقاط الكرة، إلا أن زميله البرازيلي الآخر ويليان مررها طولية لتصل إلى أدريانو الذى راوغ حارس المرمى مسجلاً أسوأ أهداف دوري الأبطال.
وتركنا أسوأ الحوادث للختام، عندما سجل بييرو ألفا مهاجم فريق يونيفرسيداد في مرمى فريق كوميرسيو، في الدوري البيروفي، فبعد سقوط خوان فلوريس حارس مرمى كوميرسيو مغشياً عليه، وأراد المدافع أن يخرج الكرة، وقف ألفا أمامها وحولها إلى الشباك، ليفوز فريقه بثلاثة أهداف لهدف، وما زاد الطين بلة هو التصريح السيء للاعب الذي دافع عن نفسه مبرراً أن كرة القدم هي لقمة عيشه.