جدل في “يوم العرب”.. قبيسي: لا فضل لنا بكوننا أقدم الشّعوب في العالم
نجوى صليبه
لم يمرّ الاحتفال بـ “يوم العرب” من دون أن يسجّل مشكلتين أساسيتين نعانيهما ـ نحن العرب ـ ونشاهدهما في النّدوات المخصصة للحديث عن الحضارات القديمة: الأوّلى، التّشكيك ببعض المعلومات التي يقدّمها باحثون حول تلك الحضارات، نشأتها وأصولها وحول اللغات وجذور كلماتها ونوعها وهذا أمر طبيعي فقد تتضارب مراجع وتُخفى حقائق، والثّانية عدم تقبّل واحترام الرّأي الآخر وعدم القدرة على استيعابه في حال كان الطّرف الآخر شاباً يافعاًن بل ومحاولة قمعه..
ما حدث في النّدوة التي أقيمت في المركز الثّقافي العربي بـ “أبو رمانة”، بتعاون مؤسسة القدس الدّولية واللجنة العربية السّورية لدعم الشّعب الفلسطيني جامعة الأمة العربية، والتي قدّمها الدّكتور محمد بهجت قبيسي تحت عنوان: “المدن العربية العمورية في الوطن العربي ـ دمشق العربية العمورية ودمشق العربية الآرامية أنموذجاً” يدفعنا إلى إعادة النّظر في كثير من الأمور لا مجال لذكرها الآن، ولكن نكتفي بالقول إنّ الدّكتور قبيسي كان أكثر قدرة على استيعاب شابة مندفعة تنطّحت معارضةً لإحدى النّقاط التي قدّمها من الجمهور ذاته الذي انتفضّ في وجهها وحاول إسكاتها، بل واتّهمها بقلّة الأدب، وعلى ما يبدو فإنّ اللغة التي هي “مسبار وكشّاف الشّعوب”، كما وصفها الدّكتور قبيسي، لم تفعل فعلتها في إيصال فكرة أو تبادلها بين جيلين كنّا اعتقدنا بصلحة ضمنية بينهما.
مقدّمة كان لابدّ منها باعتبار أنّنا نتحدّث عن عروبتنا وانتمائنا إلى حضارة مستمرة منذ آلاف السّنين، ومن غير الممكن المحافظة عليها ونحن نعاني ما نعانيه، لكن أقول هي مقارنة بل هي مقاربة بسيطة، لما كنّا وما أصبحنا، كيف كنّا نتقبّل كلّ الحضارات ونحتويها.. يقول الدّكتور قبيسي: في كلّ عام نحتفل بعيد العرب بمناسبة ذكرهم بالنّقوش والكتابات العمورية “البابلية” نسبة للمدينة، والعمورية نسبة لقوم، في عام 2340 قبل الميلاد، أي على مضي 4362 عاماً من ذكر أقدم الشّعوب في العالم التي تمّ ذكرها في الكتابة العالمية من صينية وغيرها، ونرجو ألّا يجعل هذا الموضوع لدينا عقدةً بأنّنا أقدم النّاس ولا فضل لنا بذلك، ولكن وكما يقال كثرة التّواضع فيها شيء من السّفه، هناك أيام نحتاج فيها لقول: كذا وكذا، مضيفاً: في عام 2010 اخترنا العاشر من الشّهر العاشر يوماً لهذا الاحتفال واليوم نحيي هذه الذّكرى.
ويبيّن قبيسي أصل كلمة عرب، يقول: قالوا “عرب ملوك” و”عرب مكان”، وقالوا إنّ “مكان” ليست مكة بل عمان، فالألف والنّون لاحقة، حتّى ظهر لدينا نقش تاريخه 2330 قبل الميلاد، وفيه ذكر “كعبة مكّان”.. إذاً انتهى الموضوع، والأكثرية تقول إنّ في تلك الفترة لم يكن هناك ملوك في المنطقة إلّا فراعنة مصر، وكانت الأسرة الخامسة المصرية من بناة الأهرامات، ولا بدّ هنا من تعريف كلمة “عرب”.. لقد ذكروا في كلّ الكتب أنّ كلمة “عرب” تعني “البداوة والصّحراء”، لكن في الحقيق هي بعيدة كل البعد عن هذا المعنى، فكلمة “عرب” في أوغاريت تعني “دخل”، وفي الآكادية ـ نسبة إلى مدينة أكاد ـ العمورية نجد نفس المعنى، وينتقل المدلول إلى الغيمة التي تأتي من الغرب إلى بلاد الشّام، والمسؤول عن هذه الغيوم، حسب الاعتقاد السّابق، الملك أو الإله “حدد” الذي يحدد الأنواع: إله البرد والبرق والأمطار، وسمّيت الغيمة بالأوغاريتية “راكب عربة” وتطوّر المدلول وجاء في اللهجة الآكادية العمورية كلمة “عربتو”، أي الجوّ الغائم، ثمّ تطوّر المعنى ووجدنا بئر زمزم يسمى “عربتو إسماعيل”، ووادي عربة وادي الماء، وانتقل المعنى كله إلى الغيمة التي تنقل الأمطار، ونجدها “العربات في دجلة” هي الزّوارق التي تمشي على الماء أو الطّواحينن التي تعمل على الماء، و”بئر عروب” أي بئر كثير ماؤه.
وفي موضوع المدن، يبيّن الدّكتور قبيسي المنهج الذي اتّبعه، يقول: أخذنا أسماء المدن والقرى بالاعتماد على شيء اسمه فقه اللغة، وموضوع العلم الحديث علم الدلالة مهمّ جدّاً، ولدينا الملاحظة والتّجربة والضّبط والموضوعية، منذ شهرين كنت أفكّر باللاحقة “الألف والنّون” (كيوان، نجوان)، ووجدت أنّها تخصّ المياه، وضمن موضوعنا دمشق لدينا في دمشق منطقة كيوان من الكوّة والتي تدخل منها المياه، أسوان كذلك وتطوان على البحر، وقيروان هي عبارة عن خزانات مياه كتيمة وصخرية، مضيفاً: في علم الآثار لدينا علم اسمه التّايبولوجي أي علم النّوعية وليس لدي كتابات، مثلاً الفخار يُعرف بنوعيته بحاضرة تمتد 3200 قبل الميلاد، أخذت موضوع شكل الفخار فهو جنوب مكة بـ 200 كم، والرّها في الشّمال، وما بين النّهرين، كلّها إلى السّاحل السّوري يأخذ الشّكل ذاته.. إذاً لديّ التّايبولولجي المادية لكن لدي أيضاً المادة اللغوية.
ويوضّح قبيسي: موضوع اللغة مهمّ جدّاً، جذر الكلمة في اللهجات العربية يجب أن يكون ثنائياً أو ثلاثياً وما كان رباعياً أو خماسياً كان مركباً، كلمة “دمشق” وبعد التّجرية حذفنا الدّال وبقي “مشق” نمّا وخصّب والدّال سابقة لدينا (دا ـ دو ـ دي) وهذا لا يكفي “دا” العمورية سابقة، ولدينا دمياط، ديسوق، الدهقلية، بجنوب الفيوم اسمها دمشقين واللاحقة هنا للجمع وهي لاحقة آرامية بمعنى الجمع، يقول ياقوت الحموي في دمشقين: فيها بصل كالبطّيخ، وهذا دليل على خصب الأرض وهناك بلد آخر في بلد النّيل اسمها دمقش وهذا قلب مكان.