“الإبتزاز النووي” تهديدات واشنطن الترهيبية
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
أصبح واضحاً من خلال الأفعال التي تنتهجها الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، أنها تدفع بشكل صارخ الوضع الدولي نحو صدام بين القوى النووية الكبرى، خاصةً مع تحركات واشنطن الاستفزازية الصارخة ضد كل من روسيا والصين، إذ تواصل الإدارة الأمريكية تأجيج الوضع، وترهيب الأمريكيين وشعوب العالم الأخرى من “تهديدات نووية خيالية” لروسيا، وذلك بنشرها معلومات مضللة. ععلى سبيل المثال، استشهد الرئيس الأمريكي بايدن خلال خطاب ألقاه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، باقتباسات غير موجودة في خطاب بوتين، لذا وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه “فعلاً منافياً للأخلاق” عندما “نسب” للرئيس الروسي قوله إن “بلادنا تهدد العالم بالأسلحة النووية”.
تتعرض الأفعال المناهضة لروسيا التي يقوم بها جو بايدن وأركان إدارته الآن لانتقادات شديدة من قبل العديد من السياسيين ووسائل الإعلام داخل الولايات المتحدة وخارجها، وقد تعرض الرئيس الأمريكي لانتقادات شديدة من مذيع قناة “فوكس نيوز” تاكر كارلسون، الذي قال إن بايدن كان مذنباً برغبته في تدمير روسيا من أجل الهيمنة الأمريكية على العالم.
لطالما ذكّر الرئيس بوتين في خطاباته الأخيرة الشعب الروسي وشعوب العالم، بأن واشنطن تدفع كييف لنقل الأعمال العدائية إلى الأراضي الروسية، بل إنها لجأت مؤخراً إلى الابتزاز النووي.
وفي خطاب متلفز في 21 أيلول الماضي، قال الرئيس الروسي:” تدفع كل من واشنطن ولندن وبروكسل، كييف بشكل مباشر لنقل الأعمال العدائية إلى أراضينا، حتى أنهم يقولون علانية أنه يجب هزيمة روسيا بكل الوسائل في ساحة المعركة، ويلي ذلك حرمانها من السيادة الاقتصادية والسياسية والثقافية وأي نوع من السيادة، ونهب بلدنا بشكل كامل “.
وتابع بوتين، نحن لا نتحدث فقط عن قصف زابوروجيا بتشجيع من الغرب، والذي يهدد بكارثة نووية، ولكن بشأن تصريحات بعض الممثلين رفيعي المستوى لدول الناتو حول إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية ضد روسيا.
كما أبرز مقال نشرته مجلة “ذا ناشينول إنترست” لسفير روسيا لدى الولايات المتحدة “أناتولي أنتونوف”، فإن أفعال واشنطن تدفع بالوضع نحو صدام بين القوى النووية الكبرى، و يبدو أن الدول الغربية تختبر قوة روسيا. ما يعني أنه من الواضح اليوم أن الولايات المتحدة متورطة بشكل مباشر في الأعمال العسكرية لنظام كييف، حيث تعمل واشنطن بشكل علني على زيادة إمداد أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة وتزويدها بالمعلومات الاستخبارتية، كما أنهم يخططون بشكل مشترك لعمليات عسكرية ضد القوات الروسية، حيث يتم تدريب الأوكرانيين على استخدام معدات الناتو العسكرية في القتال.
في أعقاب تقارير إعلامية أمريكية في أواخر أيلول الماضي تتعلق بإعداد الولايات المتحدة خططاً لضرب القيادة العسكرية والسياسية الروسية والكرملين، علقت السفارة الروسية في واشنطن على هذه الخدع، مؤكدةً أن هذا كان وهماً صادراً من بعض الأشخاص، وعبرت السفارة الروسية عن أملها في ألا يعكس هذا التفكير اللامعقول، الموقف الرسمي للمؤسسة العسكرية الأمريكية، حيث يجب أن تكون واشنطن على دراية بالطبيعة المتصاعدة لهذا الخطاب الطائش.
يُظهر واقع الحال، أن الولايات المتحدة تعمل بنشاط من أجل صدام مسلح مع روسيا، ليس فقط من خلال بعض السياسات التي تنتهجها، ولكن أيضاً من خلال الوثائق.
على سبيل المثال، نشرت صحيفة “نيا داجبلاديت السويدية” وثيقة، اعترفت بأنها ” مروعة” تتعلق بخطط الولايات المتحدة لافتعال نزاع مسلح مع روسيا، وخلق أزمة طاقة في أوروبا”. كان مصدر هذه المعلومات “تسريباً” من مؤسسة “راند”، وهي مؤسسة فكرية أمريكية رائدة مسؤولة عن تقديم توصيات إلى البيت الأبيض.
يذكر التقرير، الذي حصلت عليه الصحيفة السويدية، أن أحد أسباب الاشتباك المسلح بين الغرب وروسيا هو دفع روسيا للعملية العسكرية في أوكرانيا، رداً على السياسة الخارجية العدوانية التي انتهجها نظام كييف بتوجيهات من واشنطن.
وبحسب الهدف الرئيسي السائد لهذه الإستراتيجية الباعثة على السخرية- كما ورد في الوثيقة- فإن أحد أهم أهداف الولايات المتحدة لم يكن تدمير التعاون بين ألمانيا وروسيا فحسب، بل بين برلين وباريس، ما أدى إلى جر كلا البلدين في أوروبا الغربية إلى الصراع في أوكرانيا.
كما ذكرت وسائل الإعلام الأوروبية، أنه على الرغم وجود آمال وفرص لوقف الصراع الذي بدأه الغرب مع روسيا، إلا أنها تتعثر بشكل متزايد بسبب الدعاية غير المسبوقة، وانتشار هستيريا الحرب عبر وسائل الإعلام، فضلاً عن الجنون المتعصب للسياسيين الغربيين، وكل هذا يدل على أن القرارات العسكرية اتخذت منذ فترة طويلة وأن احتمال وقف الصراع لا يزال بعيد المنال.
لقد تجلى ذلك من خلال دعوات للولايات المتحدة وحلفائها في الناتو لمواطنيهم لمغادرة الأراضي الروسية بشكل عاجل، وهو ما يتم عادة، في تشبيه تاريخي معروف، عشية اندلاع نزاع مسلح خطير.
في 28 أيلول، دعت السفارة الأمريكية في موسكو- على سبيل المثال- مواطنيها إلى مغادرة الأراضي الروسية بشكل عاجل. على وجه الخصوص، قال أحد التقارير الأخيرة المنشورة على موقع السفارة على الإنترنت: “ينبغي على المواطنين الأمريكيين عدم السفر إلى روسيا، كما يتوجب على أولئك الذين يقيمون أو يسافرون إلى روسيا مغادرتها على الفور، بينما تظل خيارات السفر التجاري محدودة”.
كما نصحت وزارة الخارجية البولندية في 27 أيلول مواطنيها “بمغادرة الأراضي الروسية باستخدام الوسائل التجارية والخاصة المتاحة”. في الوقت نفسه، قامت بتحذير المواطنين البولنديين “في حالة حدوث تدهور شديد في الوضع الأمني، أو إغلاق الحدود أو غير ذلك من الظروف غير المتوقعة، من المحتمل أن يصبح الإجلاء شبه مستحيل”. في الوقت نفسه، وفقاً لنائب وزير الداخلية والإدارة، تم إجراء تفتيش على الملاجئ، حتى تلك التي ليست في حوزة سلطات المدينة، على أراضي بولندا.
كما نصحت السفارة الإيطالية في موسكو ووزير خارجية لاتفيا إدغارز رينكوفيس ووزارة الخارجية الليتوانية والعديد من وزارات خارجية الناتو الأخرى مواطنيها بمغادرة روسيا في 29 أيلول.
على الرغم من اعتراف السلطات اللاتفية بأن الوضع على الحدود اللاتفية الروسية مستقر وهادئ ويخضع لرقابة صارمة، فقد فرضت البلاد حالة طوارئ للأشهر الثلاثة المقبلة. في الوقت نفسه، أبلغت قيادة حلف شمال الأطلسي عن نشر راجمتي صواريخ أمريكية من طراز” هيمارس” من قبل الولايات المتحدة في لاتفيا، ظاهرياً استعداداً لدورة تدريب عسكري، على الرغم من أن الولايات المتحدة تستخدم بالفعل نفس الصواريخ في العمليات العسكرية في أوكرانيا لقصف أراضي دونباس من قبل نظام كييف بتوجيه من المستشارين العسكريين الأمريكيين.
في حين أن الإدارة الأمريكية الحالية قد تصرفت منذ فترة طويلة بطريقة غير مسؤولة تجاه شعب شرق أوكرانيا والاتحاد الروسي، من خلال دعم سلطات كييف بشحنات من الأسلحة وإثارة الأعمال العدائية، لكن أي نزاع نووي، إذا حدث لا يمكن أن يظل مشكلة إقليمية. وإذا انحدر الصراع مع موسكو، بسبب خطأ البيت الأبيض، إلى حرب نووية، فإن هذه الحرب ستكون عالمية.