في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي
ريا خوري
تطرح الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي المقرّرة في شهر تشرين الثاني المقبل تحدياً كبيراً ومزدوجاً للإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض التي تخوض صراعات متعدّدة على عدة جبهات بلغت مراحل حاسمة وقاسية وضعت الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام استحقاقات كبيرة بالغة الصعوبة. في المقابل، تمثل الانتخابات النصفية اختباراً جديداً محفوفاً بالمخاطر للرئيس السابق دونالد ترامب الساعي بشكل حثيث لتكريس زعامته للحزب الجمهوري، والإفلات من سلسلة المساءلات والملاحقات القضائية التي يعمل الديمقراطيون على تكريسها.
في خضم العديد من الصراعات والنزاعات الداخلية الخفية والعلنية التي تجري وقائعها في ظروف داخلية وعالمية صعبة غير مسبوقة، يسعى الرئيس بايدن لإعادة سيطرة الديمقراطيين على مجلسي النواب والشيوخ من أجل تمرير تعهداته التي أعلن عنها في قضايا الإجهاض، ومنع انتشار الأسلحة الهجومية بين أيدي الأمريكيين، وتعهداته بشأن الأمور الصحية في البلاد.
وإذا أخفق في تحقيق هذا الهدف -وهو في طريقه للإخفاق- فسوف يسعى ضمن خطته البديلة إلى المحافظة، على الأقل، على أغلبية أعضاء الحزب الديمقراطي الضئيلة في الكونغرس، حيث تدلّ جميع المؤشرات على فشله في تحقيق أهدافه، وحتى فرص نجاحه في إنجاز واحد من الهدفين تبدو متأرجحة وغير قابلة للتحقق.
من جهتها أشارت استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخراً إلى وجود فرصة جيدة للجمهوريين للفوز بما لا يقلّ عن عشرة إلى عشرين مقعداً في مجلس النواب، وهي نسبة تكفي لحصولهم على الأغلبية في المجلس، بينما تبدو استطلاعات الرأي أقل وضوحاً في ما يتعلّق بمصير مجلس الشيوخ الأمريكي. لذلك فإن مشكلة بايدن الرئيسية تتمثل في أن الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ ومجلس النواب هي في التقليد الأمريكي فرصة للناخبين لمعاقبة الرئيس على سياساته وقراراته المتناقضة في القضايا المختلفة.
وبالفعل يؤكد العديد من الخبراء والمراقبين في الولايات المتحدة الأمريكية أن حجم الخسارة في الانتخابات النصفية يرتبط عادة بخيبة الأمل من الرئيس الذي يتخبّط يميناً ويساراً، وحالة الاقتصاد المتردية وحالة التضخم، وتراجع الإقبال على الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فضلاً عن الفضائح وحالات الفساد، مع وجود العديد من الأزمات العرضية.
يضاف إلى ذلك العديد من الأزمات الدولية، وعلى رأسها المناخ والحرب الأوكرانية واستطالاتها واستحقاقاتها التي تؤججها الإدارة الديمقراطية برئاسة بايدن، وتحشد لها بشكل واسع دون حساب، مع كلّ جوانب الغموض التي تعكسها تلك الحرب على عقول الناخبين، بما في ذلك الغلاء وارتفاع أسعار السلع واحتمالات تمدّد الحرب نحو أوروبا، وانتشارها باتجاه آسيا وأمريكا وبقية دول العالم، أو انقلابها من طور الحرب التقليدية إلى مستوى الحرب النووية.
في الطرف الآخر، يضع الرئيس السابق دونالد ترامب العديد من رهاناته على انتخابات شهر تشرين الثاني النصفية، إذ إن هذه الانتخابات ستكشف بدقة حجم التأييد الذي يحظى به على المستوى الجماهيري، خاصة وأن معظم المؤيدين لـ ترامب هم من الشعبويين، وبذلك فإن حجم المؤيدين لترامب يؤهله لإعادة تشكيل الحزب الجمهوري بقوة من جديد من خلال اكتساح مرشحيه المختارين لتولي مناصبهم السيادية.
لكن نقطة الضعف التي تواجه ترامب تتمثل في أن عشرات الخسائر البارزة في السباقات الانتخابية، التي جرت على مرّ عشرات السنين، عززت الشكوك في أن قوته وإمكانياته لم تعد كما كانت في السابق حين كان على رأس السلطة في البيت الأبيض، مع العلم أن العديد من المرشحين الذين دعمهم ترامب لخوض السباق يشكلون عبئاً ثقيلاً على جهود الحزب الجمهوري وأعضائه بسبب فضائح سياسية وحالات الفساد الكبيرة، أو عيوب في المزايا القيادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
يُذكر أن الانتخابات النصفية تهدف إلى تجديد جميع مقاعد مجلس النواب الأمريكي، وأكثر من ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، إضافة إلى انتخاب أكثر من ثلاثين حاكم ولاية أمريكية.