النقص الحاد بأطباء التخدير ينذر بكارثة خلال السنوات القادمة.. ومطالب عاجلة باستدراك الوضع!!
دمشق – لينا عدره
خلال السنوات الخمس المقبلة، نحن مقبلون على كارثة في اختصاص التخدير، ففي مستشفى مركزي – كالمواساة مثلاً – هناك 45 موقع عمل مقابل 10 أطباء تخدير فقط، ونسبة كبيرة منهم سيتقاعد أو تقاعد ومدّد له، ما أدى في أوقاتٍ كثيرة إلى توقف العمليات في أقسام كـ “الأذنية” على سبيل المثال، وفق ما صرحت به رئيسة قسم التخدير والعناية المشدّدة وتدبير الألم في كلية الطب البشري، الدكتورة فاتن رستم.
وأوضحت رستم في حديث لـ “البعث” أن مشكلة النقص الحاصل في اختصاص التخدير مشكلة قديمة جداً تمتد إلى فترة ما قبل الحرب، إلا أنها استفحلت اليوم بسبب قلّة الأعداد والهجرة، وأشارت إلى أن غياب هذا العنصر انعكس سلباً على باقي الخدمات الصحية، مشدّدة على أهميته بأنه اختصاص مفصلي وحيوي، خاصة وأنه الشريان الذي يضخ لكلّ الجراحات من أعقدها إلى أبسطها، والذي يغذي كلّ مفاصل الجراحة، كونه يشمل مختلف وظائف الجسم.
وأكدت رستم أن مطالب التخدير كانت واضحة وبيّنة، ولا تخفى على أحد منذ البداية، إلا أنه كان من المجدي أكثر أن يكون الجميع يداً واحدة كي لا تتشتت الجهود، حيث تمحورت المطالب حول تصحيح وضع التخدير وإعادة النظر بالحقوق المادية وتوحيدها عند مختلف الوزارات، وتوحيد قانون المشافي سعياً للعدالة، أقلها ما بين مشافي الوزارة الواحدة، خاصةً وأن أطباء التخدير من ذوي الأعمار الصغيرة باتوا قلة قليلة وبالتالي إذا لم ينظر بتحسين طبيعة العمل 100% وتحقيق باقي المطالب، سنرى أنفسنا في المستقبل القريب أمام مشكلةٍ كبيرة جداً.
وشدّدت رستم على أهمية تطبيق قانون عادل تكون فيه حصة طبيب التخدير 40% والفني 10% عوضاً عن 5%، كونهما يشكلان مع الجراح فريق عمل واحداً، ولفتت إلى أنه لا يمكن للفني أن يحلّ مكان طبيب التخدير نظراً لخصوصية اختصاص التخدير لناحية الإلمام بمختلف الأمور العلمية، لأنه علمٌ قائم بحدّ ذاته يتطوّر مع تطور الأدوية والتقنيات والتجهيزات، وأشارت إلى أنها تقدمت بمشروعين لإحداث اختصاصين فرعيين “الأول يشمل العناية المشددة، والثاني تسكين الألم”، على أن يكونا تحت إشراف قسم التخدير، للحاجة الأكاديمية والمجتمعية لهذين الاختصاصين. وبينّت أن هناك الكثير من الأنظمة والقوانين التي صدرت، إلا أنها لم توضع حيّز التنفيذ، فلا تزال الفجوة كبيرة بين الأجر الذي يتقاضاه الجراح وطبيب التخدير، وخاصة في المشافي الخاصة، ما أدى لعزوف الكثير من الطلاب وعدم رغبتهم بهذا الاختصاص، هذا إضافةً إلى ضغوط عمل وضغط نفسي ومناوبات طويلة وإسعاف، وتعامل مع حالات ما بين الحياة والموت.
وترى رستم أن المشكلة لا تتوقف فقط بالهجرة والسفر، بل تتعلق أحياناً بتوقيت إصدار المفاضلة، التي يلجأ فيها البعض لاختصاص آخر، بسبب إصدار مفاضلة الصحة بعد مفاضلة الدراسات، ما يدفع بالبعض لترك مفاضلة الدراسات، والانتقال للصحة، وتغيير الاختصاص، في حين أن معالجة هذه المشكلة لا تحتاج إلا لآلية بسيطة، تتمثل بتوحيد الوقت للمفاضلات، بحيث لا يأخذ الطالب فرصته وفرصة غيره.
أما عن سبب الوصول لهذه المرحلة الحرجة فتبيّن رستم أنه يعود للافتقار لآلية صارمة من خلال تطبيق قوانين تضمن حق طبيب التخدير، سواء في القطاع العام أو الخاص، متسائلةً باستغراب: لا أفهم كيف يتمّ اقتطاع أجرة طبيب التخدير في القطاع الخاص، وهي مدفوعة سلفاً من المريض، بينما الجراح تصله أجرته؟ وأضافت إذا ما نظرنا إلى الوضع في دول الجوار، والآلية المُتبَعة هناك، سنرى أن من أخذ على عاتقه هذا الأمر هي مؤسّسات التأمين، وبالتالي ضمن كلّ شخص حقه.
وأكدت رستم أن ما يميّز المشافي اعتمادها على برنامج من المحاضرات والتدريب يتمتّع بكفاءة عالية، وبالتالي تخريجها لطلاب يتمتعون بخبرات مميزة، الأمر الذي يفسّر حصول الكثير من الطلاب -ممن هاجروا وبمجرد وصولهم- على فرصة عمل، لامتلاكهم لخبرات وكفاءات عالية، ولأنه اختصاص شاق جداً حتى في الخارج ولا يقوى على تحمله إلا فئة قليلة، عملت تلك الدول على تعويض هذا التعب بمقابل مادي ورفعه للمقدمة، ففي الولايات المتحدة الأميركية يعدّ الاختصاص الثاني الأعلى دخلاً، وتوليه ألمانيا كلّ الاهتمام لمشاقه، بينما عمل القطاع الخاص في بلدنا على لعبِ دورٍ سلبي فيه، ما يستدعي فرض رقابة صارمة عليه، إضافةً إلى فرض تصنيف للمشافي حسب درجتها، وخضوع أسعارها لجهة رقابية عليا، فالطبيب الذي سيتعرض لغبنٍ، لا يعلم إلى مَن سيلجأ؟ أو من سيدافع عنه؟ النقابة أم الوزارة؟. وبالتالي من الضروري فرض رقابة مشدّدة على المشافي الخاصة، خاصةً وأن طبيب تخدير واحداً يضطر في أحيان كثيرة، للإشراف على أكثر من غرفة عمليات، وهو ما يخالف الشروط، بسبب الجهد والعبء الكبير المُلقى على عاتقه، والذي قد ينتج عنه اختلاطات للمرضى، تنتهي بكارثة!.
أما عن مفاضلة الالتزام التي تعتبر إحدى الحلول المرتقبة لمعالجة النقص الحاصل في بعض الاختصاصات، فتؤكد رستم أنه من المبكر جداً الحديث عنها، كونها إحدى الحلول الآجلة، في حين أننا بحاجةٍ في وقتنا الراهن لحل عاجل، يساهم بشكل فوري بمعالجة الوضع.
وفي السياق ذاته أكد عددٌ من أطباء التخدير، أن الوضع المادي ونوعية حياة الطبيب التي تفرض عليه نمطاً معيناً واحتياجات معينة قد تختلف عن غيره، هي من تدفع بمعظم الأطباء للهجرة، حيث ذكرت إحدى الطبيبات التي التقتها “البعث” أنها اليوم تنهي بعض الترتيبات استعداداً للسفر، بسبب صعوبة لا بل استحالة التأقلم مع ظروف العمل وضيق الحال، كلامٌ وافقها عليه أحد زملائها الذي أكد أنه الطبيب الوحيد في إحدى أهم وأكبر المشافي المركزية، في حين شارف جميع من معه على التقاعد في مؤشرٍ واضح إلى خطورة ما ينتظرنا في القطاع الطبي!!.