الفعل السوري و”الاستراتيجية الأمريكية”
أحمد حسن
يوماً إثر آخر، تتسع رقعة التسوية الداخلية التي أعلنتها الدولة وتمتدّ على مدى محافظات سورية عدّة، بينما تتسارع عودة الأهالي الذين أخرجهم الإرهاب إلى مدنهم وقراهم ومنازلهم، وآخر صورة لذلك تجلّت في “معرة النعمان”، وفي الوقت ذاته تحتضن دمشق، وعلى مدى أربعة أيام، خامس اجتماع سوري روسي مشترك لمتابعة تنفيذ بنود المؤتمر الدولي الذي استضافته سورية سابقاً حول عودة اللاجئين والمهجّرين السوريين.
وبالتأكيد، فإن ما سبق ليس سوى دليل آخر على “فعل” سوري جادّ وواعٍ في طيّ صفحة الحرب، وعلى أن الخطوات السورية في طريق استعادة السلام في البلاد تتقدم بثبات رغم ما يبدو عليها من بطء لا بدّ من ذكر بعض أسبابه، فكلنا يعلم أن المهجّرين كانوا ومنذ بداية الحرب، وللأسف الشديد، مجرّد ورقة ليس أكثر في أيدي القوى التي شنّت هذا العدوان، واستخدمت في مجالات شتى بعضها للتهويل على دمشق في سياق العدوان الدائر عليها، وكلّنا يذكر أن “الخيم” كانت جاهزة في تركيا قبل أن يخرج أيّ سوري من بلده، وبعضها لابتزاز الدول الأخرى، كما فعلت تركيا ذاتها مع أوروبا، وبعضها لـ “شحذ” الأموال باسمهم وعليهم، كما أننا جميعاً نعرف أن العقبات التي تضعها دول العدوان في طريق عودة هؤلاء والضغوط التي تمارسها بلسان أرفع مسؤوليها على الدول المستضيفة لمنع عودتهم هي السبب الرئيس في استمرار مأساتهم.
لكن العالم يتغيّر، وإصرار بعض الدول على تجاهل الضغوط الأمريكية والبدء ببحث العودة الطوعية الآمنة للمهجّرين مع سورية دليل على ذلك، لكن هذا “التجاهل”، الذي لم يكن ممكناً في الفترة الماضية، دليل أهم على تراجع في منسوب الخوف والرهبة من واشنطن دافعه الرئيس ليس ارتفاعاً مفاجئاً في منسوب القوة عند هؤلاء، بل انخفاض واضح في منسوب قوّة واشنطن ناجم عن التغيّرات العالمية المستجدة، وهو ما بدأت واشنطن ذاتها تعترف به، وذلك ما تبرزه الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي التي طرحتها إدارة بايدن، ودعت إلى “وقف التصعيد في الشرق الأوسط والتكامل الاقتصادي في المنطقة”، كما انتقدت اعتماد السياسة الخارجية الأمريكية على “إيمان غير واقعي بالقوة وتغيير النظام لتحقيق نتائج مستدامة على حساب تكاليف الفرصة البديلة للأولويات العالمية المتنافسة أو العواقب غير المقصودة”.
وإذا كان هذا اعترافاً أمريكياً واضحاً بضرورة التراجع، إلا أنه لا يجب أن يدفع قوى المنطقة الفاعلة إلى الاستكانة، فهذه “الاستراتيجية” عرضة كسواها للاختراق والإهمال “والتجاهل” من إمبراطورية و”إدارة” لا تعيش إلا بـ “الإيمان غير الواقعي” للقوة، ولأن سورية تفهم ذلك جيداً، ولأن ذلك هو من صميم التزاماتها الوطنية أولاً وقبل أيّ شيء آخر، فهي ستستمر في خطوات تحصين أمنها الداخلي سواء عبر مراكز التسوية لـ “استعادة” مَن في الداخل، أو عبر تأمين الأسس اللازمة لعودة مَن في الخارج، والأهم أنها ستستمر أيضاً في عمل بطيء ولكنه يسير بثبات لـ “إقناع” المحتلّ، بوسائل يعرفها جيداً، بأن كلفة بقاء احتلاله في أراضيها أكبر من أن يقدر على تحمّلها، وهذا ما يغيّر في “الاستراتيجية” وليس شيئاً سواه.