بحاجة لـ “خطة تنموية صارمة”
قسيم دحدل
في عام 1960، ذكرت مجلة “فورين أفيرز”، جازمة، بأن “ليس هناك من فرصةٍ لتحقيق مُعجزةٍ اقتصاديّة في كوريا”، لكن وبعد عقد واحد من هذا الجزم بدأت هذه “المعجزة” بالتحقّق، وها هو اقتصاد كوريا الجنوبية الآن الاقتصاد الرابع في آسيا، ومن بين الاقتصادات العشرين الكبرى على مستوى العالم.
لقد أرسلَت كوريا الجنوبية نساءها إلى مستشفيات ألمانيا لتعلّم أصول التمريض، وأرسلت عمّالها إلى مدن الشرق الأوسط لتعلّم أصول البناء في أقسى الظروف، وأرسلَت طلاّبها وأساتذتها إلى أفضل البلدان والجامعات في العالم، ليستنسِخوا وينقلوا ويطَوّروا أفضل ما فيها، ويُسهموا في نهضة كوريا بزمنٍ قياسيّ.
مما تقدم، يمكننا القول كما قال غيرنا: ليس من السهل، بل يكاد يكون من المستحيل، إعادة بناء بلد مزّقته الحرب، لكن دولة ككوريا كسرت ذلك المستحيل، والشواهد اليوم تتحدث عن ذلك.
ما يهمنا في هذا المقال، أولاً الاعتراف بأن سورية كسرت المستحيل بإفشالها أكبر وأخسّ مؤامرة عرفها التاريخ، استهدفت فيما استهدف وجودها نفسه، وها هي اليوم تعمل على بسط سيادتها على ما تبقى من أراضيها الخارجة عن سيطرتها، بعد أن كان الهدف القريب والبعيد تمزيقها ونهبها والسيطرة على مقدراتها عبر عقديَّة من الزمن، ومن خلال حرب إرهابية قذرة مدمّرة لم تستثنِ شيئاً فيها، وصولاً بها لتكون “دولة فاشلة”.
وبعد تلك المرحلة العظيمة، بكلّ المقاييس، سورية اليوم أمام التحدي غير السهل أبداً، وهو انتصارها في حربها الاقتصادية بعد السياسية والعسكرية، حرب اقتصادية نعاني قسوة تبعاتها وآثارها الصعبة، والسؤال: كيف السبيل لخوض هذه الحرب والخروج من عنق الزجاجة؟
إن وجود حكومة تحرّر نفسها من واقع “التخادميَّة”: تخادميِّة ومحاباة الوزارات لبعضها البعض دون أن يكون هناك نتائج اقتصادية فارقة لأعمالها تنشلُ مؤسّساتها من اللا جدوى في فعاليتها، وتأخذ بيد المواطن الغارق في أزمته المعيشية، بعيداً عن تخادميتها لأرباب رأسمال والأعمال، والمتنفعين من الظروف الراهنة على حساب الاقتصاد الوطني واقتصاديات المواطن.. إلخ، سبيلها إلى ذلك العمل على انتهاج خطة تنموية صارمة، نحن أحوج إليها من أي ظرف ووقت آخر، خطة تنموية صارمة هدفها تحقيق أقصى تعبئة وتحشيد، وأكفأ تخصيص للموارد المُتاحة.
بالمختصر المفيد، خطة صارمة تقوم على ثلاث ركائز أساسيّة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وهي: تنمية وطنيّة مصمّمة بشكل جيد، وحكومة من ذوي الاختصاص قادرة على تنفيذ هذه الخطّة، وبرنامج واضح وصارم يُتيح للحكومة “الاستحواذ” على، أو “تدبير وتأمين” رأس المال الضروري لتنفيذ هذه الخطّة.
خطة أول متطلبات تحقيقها وفلاحها الإرادة والإدارة.. أولاً وأخيراً، فهل هذا مستحيل؟ بالطبع لا، لكنه ليس سهلاً، أما وأن تبقى الحكومة تبحث في السهل وتتخذ السهل وتحصل على السهل، فهذا لعمرنا لن يحقق أي إنجاز!!.
Qassim1965@gmail.com