بعد تهديد المخالفين بالحبس.. السكر وأجور الشحن تنخفض محلياً!
دمشق – ميس بركات
لا تتعدى المسافة بين المحلين التجاريين بضعة أمتار، لكن على ما يبدو أن هذه الأمتار الفاصلة بين جميع المحال استطاعت “بقدرة قادر” أن ترفع أسعار الكثير من السلع لأكثر من ألفي ليرة لكلّ سلعة، بحجة فقدان المواد من المستودعات ورفع المورّدين والتّجار للأسعار بشكل عشوائي!! واقع يرافقه تذبذب في سعر الصرف وعدم ثباته على رقم معيّن، يجعل التّجار لا يرسون على برّ بتسعيرتهم، لتلحظ حماية المستهلك هيجان الشارع السوري نتيجة حالة التخبّط التي تعيشها السوق المحلية وتوجّه إنذاراً إلى مصانع المواد الغذائية والمستوردين ومراكز التعبئة الذين لم يلتزموا بالتسعيرة الأخيرة التي أصدرتها للمواد، بتطبيق عقوبات المرسوم التشريعي رقم 8 بحقهم ومصادرة البضائع وبيعها بأسعار التدخل الإيجابي دون الحاجة إلى شكاوى وتصاريح.
عقوبات شديدة
ولعلّ اللافت في هذا التصريح ما ذكرته الوزارة بأنها علمت من خلال دورياتها المركزية “السرية” أن بعض أصحاب مصانع المواد الغذائية والمستوردين ومراكز التعبئة لم يلتزموا بالتسعيرة الأخيرة للوزارة، وما زالوا يصدرون فواتير وهمية ويبيعون بسعر أعلى، علماً أن هذه المخالفات كانت الشغل الشاغل وحديث الساعة لصفحات الأخبار المحلية والاقتصادية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، إذ لا يختلف اثنان أن الأمر بحاجة إلى دوريات سرية لمعرفة أن التلاعب والاحتكار كانا “ملح حياة التّجار” خلال السنوات الأخيرة بشكل عام وخلال الأيام الماضية بشكل خاص، إلّا أن التذرّع بعدم وجود ثقافة الشكوى لدى غالبية المواطنين يحول دوماً – برأي حماة المستهلك – دون ضبط المخالفين الذين ستُطبّق عليهم عقوبات تصل إلى الحبس لمدة سبع سنوات، وستصادر بضاعتهم وتباع بأسعار تدخل إيجابي في صالات السورية للتجارة في حال ثبتت مخالفتهم.
محاباة التجار..!
ومرة أخرى، جرت الرياح بما لا تشتهي سفن “التجارة الداخلية” التي لا تزال تُصرّ على لسان وزيرها، د. عمرو سالم، بأن الأسعار المحلية للسكر والزيت وغيرهما من السلع الأساسية مرتبطة بالأسعار العالمية، ففي وقت تحركت دوريات حماية المستهلك لضبط حالات الغش والتلاعب والاحتكار كانت صفحات الأخبار العالمية تؤكد انكماش سعر السكر الأبيض في العقود الآجلة خلال التداولات في بورصة لندن للسلع في التاسع من شهر آب الماضي، حيث تراجع سعر العقد الآجل تسليم شهر تشرين الأول الحالي إلى 545.10 دولاراً للطن، منخفضاً بمقدار 5.80 دولار، وفي الاتجاه ذاته، هبط سعر عقد تسليم كانون الأول 2022 بمقدار 2.50 دولار، ليصل إلى 514.50 دولاراً للطن، أي أن أسعار السكر انخفضت عالمياً بنسبة 5%، بينما لا تزال المادة محلياً “مختفية” عن الأنظار، وفي حال وجدت تُباع بأسعار خمس نجوم.
في هذا السياق، يؤكد عامر ديب عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك في تصريح لـ “البعث” أن تشديد العقوبات الذي صدر مؤخراً ليس جهد وزارة التجارة الداخلية، بل وزارة العدل التي كانت الأساس في تحريك العقوبات لدعم المرسوم 8، في حين لم تنجح وزارة التجارة الداخلية حتى الآن في تنفيذ هذا المرسوم الذي حوّلته إلى أداة تهديد وبعيد كلّ البعد عن هدفه الأساسي في وضع رؤية وإستراتيجية اقتصادية داخلية تحقق وتخلق التوازن بين حاجيات المستهلك ومصلحة التاجر.
لم تنجح
وأكد ديب عدم نجاح الوزارة بعمل حقيقي لضبط الأسواق وانسيابية المواد، ففقدان المادة يعادل تأمينها بسعر غير مَقدورٍ على الشراء به، ولفت إلى أن الضبوط اليوم لا تحلّ مشكلة الأسواق، وما نحن بحاجته هو إستراتيجية ونهج جديد بتطبيق المرسوم 8 الذي جعل للمواطن والمستهلك مظلة منيعة ضد السماسرة والتّجار الذين إذا ما استمرت وزارة التجارة الداخلية بمحاباتهم على حساب المواطن، فسنصل إلى وضع كارثي، نافياً أن يكون الحلّ اليوم برفع الرواتب التي هي استنفاد لخزينة الدولة، بل في ضبط الأسعار، لأن هذا أقل كلفة من رفع الرواتب، وأشار ديب إلى تناقض تصريحات الوزارة بارتفاع الأسعار عالمياً في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار الشحن بنسبة 70%، كذلك انخفضت أسعار الغذاء عالمياً بنسبة 50%، الأمر الذي يؤكد أن آلية التسعير خاطئة، ولا يتمّ فيها التدقيق والمقارنة مع الأسعار الخارجية وأجور الشحن.
تقاذف التهم
وفي محاولة منا للوصول إلى أرقام الضبوط التي تمّت في اليوم الأول من تطبيق القرار، كانت الأبواب مغلقة في وجوهنا للحصول على معلومة أو تصريح من حماية المستهلك يطمئن المواطن المنتظر أن تنخفض الأسعار وتتوفر المواد في السوق تحت تبرير: “لسا بكير كي نلمس الفرق”، إلّا أن الواقع المرئي يشي بأن لا شيء تغيّر، وأن رؤية الكثير من السلع لا تزال ضبابية بالنسبة للمواطن.
متابعة للموضوع توجّهنا بسؤالنا إلى غرفة التجارة التي أكدت لنا على لسان محمد الحلاق أمين سر غرفة تجارة دمشق أن وجود السلعة بسعر مرتفع “نسبياً” بسبب استيرادها أفضل من تهريبها بسعر مرتفع، خاصّة وأننا اليوم في مرحلة الدخول بنفق التهريب أو فقدان المواد. ولم ينفِ الحلاق أن هناك بعض السلع “كالسكر” يتمّ احتكارها وبيعها لأشخاص معيّنين كي لا يدخل صاحب المحل “بالسين والجيم” حول سبب ارتفاع السعر واختلافه بين المحال!
“دق المي..”!
وحول إذا ما كان قرار وزارة التجارة الداخلية بتشديد العقوبات سيؤدي المطلوب ويخفض الأسعار، أم أنه سيكون عقبة في وجه العمل؟، استشهد الحلاق برأي قطاع الأعمال الذي يسير على مبدأ أن أي عقبة باتجاه التجارة المرنة تؤدي لفقدان السلعة وارتفاع سعرها، وفي المقابل أية مرونة يتمّ إيجادها في قطاع العمل ستؤدي إلى توافر المواد بسعر منخفض، نافياً أن يكون ارتفاع الأسعار اعتباطياً ومزاجياً، ولاسيّما أنه يخضع لعدة عوامل: (الكلفة، الرسوم الجمركية، الأسعار العالمية، الشحن..)، وبالتالي لا يمكن إلقاء اللوم على التاجر دوماً، فتخفيض جزء من الرسوم الجمركية مثلاً يساهم في تخفيف العبء عن المستهلك، مشيراً إلى أننا أوجدنا عوائق ومطبات جعلتنا نتقاذق الأعباء والتهم فيما بيننا.