جزر المحيط الهادئ ليست فناء خلفياً
عناية ناصر
أصدرت الولايات المتحدة وثيقة تحدّد رؤيتها للعلاقات مع دول جزر المحيط الهادئ، وذلك في القمة الأولى بين الولايات المتحدة ودول جزر المحيط الهادئ، لكن على الرغم من حديث واشنطن المعسول عن “التعاون” و”الشراكة”، إلا أن الأجندة الحقيقية هي زيادة حضورها ونفوذها وتأثيرها في “ساحتها البحرية الخلفية”.
ربما يكون الرئيس جو بايدن قد ملأ ملاحظاته بكل أنواع الكلمات اللطيفة، لكن ما يفعله المسؤولون الأمريكيون ويقولونه في الواقع هو بمثابة صفعة لسياسات القوى العظمى، إذ لم تكن دول جزر المحيط الهادئ من بين أكثر الشركاء تفضيلاً بالنسبة لأمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لكن هذا التبدل السريع جاء نتيجة التعاون النشط والمتزايد مع الصين في السنوات الأخيرة، الأمر الذي لفت انتباه أمريكا وأثار الشكوك والتساؤلات.
بعد أربعة أشهر فقط من الاجتماع الثاني لوزراء خارجية الصين ودول جزر المحيط الهادئ، قامت الولايات المتحدة بعقد قمة على عجالة، محطمةً بذلك الرقم القياسي لعقد القمة الخاصة بين الآسيان والولايات المتحدة بعد ستة أشهر من القمة الخاصة بين الآسيان والصين.
لم يخفِ بايدن في تصريحاته الرغبة في توسيع الوجود الأمريكي في المنطقة، وشدّد على “أمن أمريكا” في شرحه لسبب إشراك دول جزر المحيط الهادئ، معتبراً أن ذلك من مصلحة الولايات المتحدة، وفي مصلحة دول جزر المحيط الهادئ أيضاً.
تشير أول استراتيجية شراكة في المحيط الهادئ التي كشفت عنها الولايات المتحدة أيضاً إلى رغبتها في تحويل دول جزر المحيط الهادئ إلى درع ومنطقة عازلة لخدمة هدفها المتمثل في مواجهة الصين. وفي هذا السياق أعلنت عن تمويل قُدّر بـ810 ملايين دولار لبلدان جزر المحيط الهادئ، أي ما يعادل خمسة أضعاف مبلغ الـ150 مليون دولار الذي وعدت به دول الآسيان العشر في وقت سابق من هذا العام، لكن هذا المبلغ ضئيل جداً مقارنة بعشرات المليارات من المساعدات العسكرية التي تقدمها لأوكرانيا.
تعتقد الولايات المتحدة أن اهتمامها المفاجئ بالمنطقة، والتشدّق بالمساعدات الضخمة كافيان لجذب قادة أوقيانوسيا، لكن بالنسبة لقادة جزر المحيط الهادئ، يبدو أن الانخراط في المنافسة الجيوسياسية ليس على جدول مهامهم.
قبل عدة أيام من القمة، تحدث رئيس وزراء فيجي، جوزايا فوريك باينيماراما، في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وحثّ الدول المتقدمة على الوفاء بالتزاماتها المتأخرة بتمويل المناخ البالغة 100 مليار دولار، علماً أن الولايات المتحدة وأستراليا من بين أعلى معدلات انبعاث للكربون للفرد الواحد.
رفضت جزر مارشال وجزر سليمان علناً محاولات إدارة بايدن تعميق نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة عشية القمة، بسبب قلق قادة جزر مارشال بشأن الإرث الاقتصادي والبيئي والصحي لتجارب الأسلحة النووية الأمريكية، كما رفض قادة جزر سليمان التوقيع على اتفاقية إعلان القمة المكوّن من 11 نقطة، والمصمّم لتوفير إطار للمشاركة الأمريكية المكثفة في المحيط الهادئ.
مع استمرار هذه المخاوف النووية دون حلّ، تجلب الولايات المتحدة وشركاؤها في اتفاقية “أوكوس” مخاطر جديدة من الانتشار النووي إلى دول جزر المحيط الهادئ، فوفقاً لبعض المحللين السياسيين، فإن الولايات المتحدة التي تحاول “استغلال” دول جزر المحيط الهادئ، لا يمكنها تلبية مطالب الدول بشأن تغيّر المناخ والتنمية ورفاهية السكان المحليين، لأن الولايات المتحدة، المهووسة بجنون العظمة، تعتقد أنه قد ينتزع أحد ما مجال نفوذها، ولذلك فهي تحاول جاهدة بشتى الوسائل السيطرة على كل المنطقة بإحكام، وتحويلها إلى ساحاتها الخلفية الخاصة بها، لكن جزر المحيط الهادئ ليست الفناء الخلفي لأي بلد على الإطلاق، ولا ساحة للتنافس الجيوسياسي، إضافة إلى أن أي قمة تستند بالكامل إلى إرادة الولايات المتحدة وإملاءاتها محكوم عليها بالفشل، وفي حال كانت الولايات المتحدة جادة بالعمل فعلياً مع دول جزر المحيط الهادئ، فيتوجّب عليها كبداية جديدة تغيير عقلية المواجهة التي عفا عليها الزمن!.