فرنسا بين حصار النقابات وترنح ماكرون
تقرير إخباري
كرٌ وفر بين رجال الشرطة والعمال المضربين عن العمل والأحزاب والمنظمات اليسارية يطغى على المشهد الفرنسي، مع إضراب عام على مستوى البلاد بمبادرة من نقابات العمال التي طالبت بزيادة الأجر بما يتناسب والتضخم الحاصل في أسعار السلع في الأسواق، بعد مظاهرات عديدة وبالآلاف، وبعد إضرابات أيضاً لعمال قطاع النفط والمصافي سببت إغلاق محطات الوقود.
وعلى ذمة الشرطة الفرنسية، قدّرت أعداد المحتجين يوم الثلاثاء الفائت بأكثر من 30 ألف محتج ومتظاهر، مقابل تقديرات بنحو 140 ألفاً لمنظمي التظاهرات، لكن الأهم والأخطر من ذلك هو أنّ اشتباكات عنيفة وقعت بين الطرفين واعتقالات أيضاً، كما تأثرت بالإضراب العام قطاعات أخرى كالمدارس والمشافي وقطاع النقل والقطارات وتوقف خط القطار “باريس – لندن”، إضافةً لتوقف أعمال الشركة المعنية بصيانة إمدادات الطاقة لأوروبا عن العمل ما يزيد في حدة أزمات الطاقة وتصاعدها.
المعارضة الفرنسية ترى أنّ كل ما حدث في فرنسا حتى الآن هو غيضٌ من فيض، مُهددةً بأسبوع حافل من المظاهرات والاحتجاجات حتى الوصول لمطالب المواطنين والعمال، ومؤكدةً أن فشل الحكومة الفرنسية سببه الأول هو التبعية للقرارات الأمريكية.
في حين يبرر مناصرو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ ما يحصل هو ليس إلا تنازعاً على السلطة بين الحكومة الحالية والمعارضة اليسارية، مدّعين أن الخطاب السياسي قد طغى على المطلبي، وأنّ المواجهة سياسية، متذرّعين بتكرار دعوات التظاهر قبل احتجاجات الثلاثاء.
أما ماكرون الذي بشّر الفرنسيين قبل شهر من الآن بأنّ “الرفاهية انتهت واستعدوا للتضحيات”، مشيراً إلى “انتهاء الوفرة والرخاء”، فهو يعاني الآن من مجموعة مشكلات معقدة ومتفاقمة ومتزايدة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم في العملة الأوروبية، وضعف حكومته لعدم وجود جمعية وطنية تناصر مشاريعه بعد في ظل خسارة تحالف ماكرون الوسطي أغلبيته البرلمانية منذ شهر تموز الماضي، ما سبب شبه شلل في تمرير حكومته للقوانين عبر البرلمان.
وماكرون لم يعطِ أهميةً كبيرة لذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى الواسعة الإنتشار التي لا تتجاوز رواتبها الـ 1200 يورو شهرياً، في ظل أضعاف مضاعفة زيدت على أسعار المواد الغذائية والأساسية تترافق بإجراءات ترقيعية، مثل “مساعدات مئة يورو للأسر الفقيرة، دفع صكوك الكهرباء”.
والآن يمثّل بقاء ماكرون في السلطة تهديداً لـ”الديمقراطية الفرنسية”، حيث يخطط لإقرار القوانين دون موافقة البرلمان، وهذا الأمر ربما يتسبب في حل قريب للبرلمان.
وتحاول حكومة ماكرون التفاوض مع النقابات التي تحاصر توزيع مشتقات البترول عن فرنسا وتشله بقوة. مستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات مقلقاً، وخاصةً أن حكومته لا تملك أغلبيةً برلمانية، والميزانية التي أعدها ماكرون لن يوافق عليها البرلمان، كما قالت حكومة ماكرون: إنها ستستخدم سلطة دستورية خاصة لفرض مشروع قانون ميزانية العام المقبل من خلال الجمعية الوطنية دون تصويت. وتستند الميزانية المقترحة لفرنسا، والتي عُرضت الشهر الماضي خلال اجتماع لمجلس الوزراء، على نمو متوقع بنسبة 1% العام المقبل، انخفاضاً من 2.7% هذا العام.
وفي خضم المشهد فإنّ تحالف القوى اليسارية “الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد”، وكتلة “التجمع الوطني” اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبان، هددا بحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية، مبررين خطوتهم المزمع إتخاذها بأنّ نصف الفرنسيين غير متفقين مع المادة 49.3 من الدستور الفرنسي، كما أعربت لوبان في تغريدة على “تويتر” عن عزمها حجب الثقة عن الحكومة.
وفي النهاية، سيصل اليمين للسلطة لا محالة سواء في فرنسا أم حتى في معظم أوروبا التي سقطت فيها خمس حكومات في حيز زمني قصير لصالحه.
لكن في الحقيقة فإنّ سيطرة اليمين على السلطة سواء في فرنسا أو في كل أوروبا لن يمثل الحل لأزمات أوروبا ولن يغير المشهد، ما لم تعلن تلك الأحزاب موقفاً واضحاً محايداً تجاه الحرب الأوكرانية، وتتبنى نهجاً مغايراً لما تتبعه الحكومات الحالية المرتهنة للإرادة الأمريكية.
بشار محي الدين المحمد