الناتو بين خسارة كابول وكييف
هيفاء علي
منذ أكثر من عشرة أعوام، كانت سورية هدفاً للحرب بعدما رفضت الخطة الأمريكية الخاصة بخط أنابيب غاز قطر وتركيا لمصلحة إيران والعراق وسورية. تبع ذلك حملة إعلامية وعسكرية شرسة، حرب بالوكالة، لزعزعة الاستقرار في سورية، حيث تمّ استخدام تنظيم “داعش” الإرهابي لهذا الغرض، لكن الجيش العربي السوري بمساعدة الحلفاء حارب هذا التنظيم والتنظيمات الإرهابية الأخرى، وتمكّن من طرد إرهابييها من معظم المناطق.
ردّت الإمبراطورية أخيراً بتفجير خطوط الأنابيب الموجودة -نورد ستريم 1 ونورد ستيم 2 الذي ينقل الغاز الروسي أو على وشك نقله إلى الاتحاد الأوروبي، وعرضت شركة “غازبروم” الروسية إصلاحه بشرط أن يتصرف الأوروبيون مثل البالغين، ويقبلون بشروط أمنية صارمة. لكن لم يحدث هذا الأمر والسبب معروف للجميع، هو رضوخهم للضغوط الأمريكية المكثفة بغية خلق نقص مصطنع في الغاز الطبيعي، ما يؤدي إلى تراجع التصنيع في أوروبا، وكلّ ذلك جزء من عملية إعادة التعيين الكبرى.
في غضون ذلك، يناقش برنامج الدمى المتحركة التابع للاتحاد الأوروبي الحزمة التاسعة من العقوبات ضد روسيا، في حين ترفض السويد إطلاع روسيا على نتائج “تحقيق” الناتو المشكوك فيه بشأن منفذي انفجار “نورد ستريم”. وبحسب خبراء الاقتصاد، فإن منظمي الهجمات الإرهابية في نورد ستريم هم المستفيد الأول منه.
في سياق متصل، فإن الارتفاع في أسعار الطاقة ليس بسبب العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وإنما بسبب سياسات الغرب الخاصة، وبينما يمتنع الاتحاد الأوروبي عن شراء الطاقة الروسية، فإن الاتحاد الأوروبي في بروكسل يرفع ديونه إلى أقصى درجة. وبحسب محلّلين، يمكن للمحافظين الجدد الذين يتحكمون بسياسة واشنطن الخارجية التوقف عن تسليح كييف، والبدء في المفاوضات مع موسكو فقط بعد إفلاس منافسيهم الصناعيين الرئيسيين في أوروبا، لكن حتى هذا الإفلاس لن يكون كافياً، حيث إن إحدى الغايات الرئيسية “غير المرئية” لحلف الناتو تتمثّل في استغلال الموارد الغذائية لسهوب بونتيك- قزوين بكل الوسائل، والحديث هنا عن مليون كيلومتر مربع من إنتاج الغذاء، من بلغاريا إلى روسيا.
حتى الآن، لا توجد مؤشرات على الإطلاق لهزيمة روسية على طول خط المواجهة الذي يزيد طوله عن 1000 كيلومتر. وبالنسبة للرأي العام في جنوب الكرة الأرضية، فقد ثبت بالفعل أن عرض الصواريخ اليومي للقوات الروسية هو ردّ قانوني على دولة إرهابية. ربما يكون بوتين قد ضحّى، لبعض الوقت، بقطعة من رقعة الشطرنج، أي خاركيف، لأنه بعد كل شيء، تفويض العملية العسكرية الخاصة ليس الصمود، بل نزع السلاح من أوكرانيا، حتى أن موسكو فازت بعد خاركيف، حيث تمّ استهداف جميع المعدات العسكرية الأوكرانية المتراكمة في المنطقة.
في غضون ذلك، يواصل الغربيون بثبات “روايتهم” النووية الجديدة، ما اضطر وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى تكرار القول إلى حدّ الغثيان بأنه، وفقاً للعقيدة النووية الروسية، لا يمكن توجيه الضربة إلا رداً على هجوم “يهدّد وجود الاتحاد الروسي ذاته”.
تدرك السلطات الروسية جيداً أن جوقة الغرب مهووسة بتفجير العملية المعقدة لتكامل أوراسيا، بدءاً من مبادرة الحزام والطريق، لذلك ليس من المستغرب أن تكون بكين “غير مرتاحة” للحرب، لأنها تعيق الأعمال التجارية بين الصين وأوروبا عبر عدة ممرات عبر أوراسيا. كما يعلم بوتين ومجلس الأمن الروسي أيضاً أن الناتو خرج من أفغانستان مهزوماً، وبالتالي فإن خسارة كلّ من كابول وكييف ستكون بمثابة الضربة القاضية القصوى، فهي تعني التخلي عن القرن الحادي والعشرين الأوراسي أمام الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران. لذلك، وكما كشف ديمتري ميدفيديف، فإن المسألة الآن هي “القضاء على نظام إرهابي، وتفكيك أجهزته السياسية والأمنية تماماً، ثم تسهيل ظهور كيان مختلف. وإذا استمر الناتو في معارضة ذلك، فستكون المواجهة المباشرة حتمية. وعليه، يتمثل الخط الأحمر الرفيع لحلف الناتو في أنه لا يمكنه تحمل خسارة كابول وكييف”.