دراساتصحيفة البعث

مفارقات المجتمع السياسي الأوروبي

ترجمة: عناية ناصر

السؤال المحوري الذي يلازم القارة بشكل مستمر، هو كيفية توحيد الحدود السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية لأوروبا؟ هل عن طريق الاتحاد الأوروبي أم أوروبا؟ لقد أسّس الدبلوماسي الفرنسي جان مونيه الجماعة الأوروبية للفحم والصلب، والتي بدأت عملية السلام والوحدة في القارة، ولهذا السبب لقب بـ”أبو أوروبا”.

في 9 أيار الماضي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في افتتاح “المؤتمر حول مستقبل أوروبا” في ستراسبورغ، إلى بناء مجتمع سياسي أوروبي. وفي السادس من شهر تشرين الحالي عقدت القمة الأولى للجنة التنفيذية في العاصمة التشيكية براغ، حيث شارك في القمة زعماء من 44 دولة (27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي و17 دولة أوروبية أخرى)، حيث أعرب بعض القادة خلال القمة عن أملهم في إيجاد “موقف مشترك”، وتحديد أهداف مشتركة، لكن بناءً على هذه الخلفية، كان المجتمعون يناقشون المفارقات السياسية للمجتمع السياسي الأوروبي.

بدايةً، هل المجتمع السياسي الأوروبي مجتمع من القيم المشتركة، أم مجتمع المصير المشترك؟ يزعم الاتحاد الأوروبي أنه المتحدث باسم أوروبا بأكملها، وأن البعض الآخر سينضمّ إلى الاتحاد عاجلاً أم آجلاً، أو سيحذو حذو الاتحاد الأوروبي. وهنا كتبت إحدى وسائل الإعلام الأوروبية، مؤخراً، أن “المجتمع السياسي الأوروبي يجب ألا يكون مجتمع قيم، بل مجتمع مصير”.

مفارقة أخرى تسيطر على المجتمع الأوروبي، وهي حول ما إذا كان ينبغي أن يتوسّع هذا المجتمع أو أن يقيم شراكات. وفي هذا الشأن نشر مركز “بروغل” للأبحاث ومقرّه بروكسل تقريراً في 22 أيلول الماضي بعنوان “التوسيع والتعميق: إعطاء مضمون للمجتمع السياسي الأوروبي”، نصّ على أن “المجتمع السياسي الأوروبي لن يكون ولا ينبغي أن يعتبر بديلاً عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن ينبغي تصميمه بطريقة يمكن أن يعمل كمسرّع. وبالنسبة للبلدان التي لا تسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإنها ستوفر إطاراً سياسياً لتعزيز التعاون الهيكلي مع الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن أن تبدأ اتفاقية المجتمع السياسي الأوروبي كاتفاقية قانون غير ملزم بين الدول والاتحاد الأوروبي”.

يعدّ المجتمع السياسي الأوروبي بمثابة مراجعة لوضع القوة المعياري، ولم يعد يسعى إلى توسيع الاتحاد الأوروبي، بل إلى بناء شراكات، وهو أمر أكثر واقعية، ويمكن أن يُظهر وحدة الدول الأوروبية. لذلك، فإن التكامل الأوروبي بمثابة تحدٍّ عميق الآن، ولهذا طالب عدد من الدول الأوروبية المشاركة بأن المجتمع السياسي الأوروبي يجب ألا يكون “مجتمعاً” بل “منتدى” غير رسمي، حيث أكد أولاف شولتز، مستشار ألمانيا في القمة أن المجتمع السياسي الأوروبي سيكون منتدى مفيداً يجمع القادة السياسيين في كثير من الأحيان لتبادل وجهات النظر حول القضايا الرئيسية دون الضغط للاتفاق على بيان رسمي.

في المقابل، أعرب جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، عن رغبته في بناء نظام سياسي وأمني أوروبي أوسع مع استعداد جميع الدول للالتزام بالمبادئ المشتركة، مؤكداً أن روسيا تظل جارة جغرافية وعضواً في النظام الدولي، لكن ليس في المجتمع السياسي الأوروبي، فإلى أي مدى يمكن لمجتمع سياسي أن يمضي دون روسيا؟!.