فواتير تجار الجملة تتصدر الدعاوى التموينية.. 2673 ضبطاً و”التشدد” سِمة الأحكام
دمشق- ريم ربيع
لم تكفِ العقوبات المشدّدة بمفردها طيلة عام ونصف من صدور المرسوم 8 لعام 2021، لكبح جماح المخالفات التي أصبحت أكثر من أن تُحصى، بدءاً من البيع بسعر زائد مروراً بحجب المواد والاحتكار، وعدم الإعلان عن الأسعار، وصولاً إلى الغش وغيره من ممارسات وسمت السوق بالفوضى والعشوائية، فالعقوبات الشديدة التي أرقت التّجار ولا تزال شغلهم الشاغل في كلّ مجلس، لم تنجح بمعالجة مسبّبات هذه الفوضى بل ركزت على النتيجة، إذ يعزو التّجار الواقع المزري للأسواق للإجراءات الرسمية التي تتناقض بين وزارة وأخرى، فيما تحمّل الجهات الرسمية التجار والعقوبات مسؤولية الغلاء والاحتكار، ليُنسى المستهلك بين مناوشات الطرفين المختلفين على قانون حمايته!.
إيلاء الاهتمام
وعلى مبدأ “الرمد أحسن من العمى”، تعود وزارة التجارة الداخلية للتلويح بعصا العقوبات الموجودة أمام كلّ موجة غلاء جديدة، ليبقى دور القضاء تطبيق القانون على من يصل إليه، مع التشدّد الذي تؤكد عليه الوزارة فيما يتعلق بالجرائم التموينية، حيث أصدر وزير العدل منذ أيام تعميماً جديداً للتشدّد بفرض العقوبات المانعة للحرية والغرامات بحق مرتكبي بعض الجرائم التموينية.
رئيس النيابة التموينية بدمشق القاضي محمد خير ديروان، أوضح أن تعميم وزير العدل الأخير جاء للتشدّد بالعقوبات المانعة للحرية فيما يتعلق بالجرائم التموينية التي تمسّ المواطن بشكل مباشر وخاصة الشريحة الأفقر، كعدم الإعلان عن الأسعار والبيع بسعر زائد أو الامتناع عن البيع، مبيناً أن الهدف من التعميم بالتشدد هو إيلاء مزيد من الاهتمام، وعدم تخفيف العقوبة إلا لأسباب موجبة وجدية، وإلزام النيابة العامة باستئناف الدعاوى في حال تخفيف العقوبة.
وأوضح ديروان أن للقاضي السلطة التقديرية في التشدّد أو التخفيف في الحكم حسب كل قضية ومعطياتها، كاستبدال الحبس بغرامة، أو تقليص مدة الحبس أو زيادتها، إلا أن الدعاوى المتعلقة بالمواد المدعومة والإغاثية، والغش في المواد الغذائية لا تهاون فيها، وغالباً ترفع العقوبة للحدّ الأعلى، مبيناً أن عقوبة الغش بالحالة العادية الحبس سنة على الأقل، إلا أنها تشدّد لثلاث سنوات إن مسّت المجتمع بحالات تسمّم واسعة.
“المدعومة” أخطرها
وكشف القاضي ديروان عن وصول 2673 ضبطاً تموينياً للنيابة منذ بداية العام، فضلاً عما تصالح عليه الوزارة أو من يلقى القبض عليهم، (حاولنا التواصل مع وزارة العدل للحصول على عدد المقبوض عليهم دون جواب يذكر). وأوضح رئيس النيابة أن إلقاء القبض يكون بالجرائم الشديدة أي الجنائية، كالاتجار بالمواد المدعومة والإغاثية والغش، كما يحق للضابطة التموينية إلقاء القبض على كلّ من يمتنع عن إعطاء فواتير جملة، لكن لا يطبق ذلك لعدم قدرة الدوريات على إلقاء القبض على هذا العدد الكبير، فهناك يومياً 40 ضبطاً تقريباً، ولا تملك الضابطة القدرة على القبض على المتهم عند الممانعة.
وأكثر الدعاوى الواردة -وفقاً لديروان- هي المتعلقة بفواتير تجار الجملة، حيث يمتنع التاجر عن إبرازها أو يقدم فواتير غير صحيحة، يليها في الدرجة الثانية البيع بسعر زائد، أما أقل الدعاوى فهي إغلاق المنشآت من دون سبب، موضحاً أن أخطر الجرائم وفق القانون هي الاتجار بالمواد المدعومة (البنزين والمازوت والغاز والخبز أو الدقيق)، فيما تختلف عقوبة المتاجرة بالمواد بالسعر المدعوم عن عقوبة المواد بسعر التكلفة، فالمدعوم عقوبته سبع سنوات سجن كحدّ أدنى، وغرامة 3 أضعاف الكمية المضبوطة بالسعر الرائج لا المدعوم، وحجب القانون الأسباب المخفّفة عن هذه المادة بغض النظر عن الكمية، أما الاتجار بالمواد بسعر التكلفة فعقوبته سنة حبس.
التشديد على المنتج
وبيّن القاضي ديروان أن العقوبة تضاعف إذا قام بالجرم موظف مستغلاً موقعه، أو إذا كان الجرم بقصد التهريب، لافتاً إلى أن الدعاوى المتعلقة بموظفين قليلة نسبياً وغالباً يكونون عمال كازية أو موظفو أفران، فيما أحيل موظفون من ضمن وزارة التجارة الداخلية إلى القضاء، مؤكداً أن الدعاوى تشمل كبار التجار كما صغارهم، إلا أن المنتجين والمستوردين يجدون أساليب عديدة للالتفاف كتقديم فواتير غير صحيحة بأرقام أقل من الواقع، موضحاً أن القانون شدد عقوبة كبار التجار، فعقوبة تاجر المفرق غرامة فقط، تزداد لتصبح الحبس لشهر على الأقل وغرامة 400 ألف لتجار الجملة، أما عقوبة المنتج أو المستورد الذي لا يعطي فاتورة فهي حبس 3-5 سنوات، وغرامة 10 ملايين ليرة.