اختتام فعاليات “المؤتمر الثاني للتخطيط المكاني الذكي”.. وتطلعات لتطبيق جدي للأبحاث
دمشق – لينا عدره
تابع المؤتمر العلمي الثاني للتخطيط المكاني الذكي أعماله لليوم الثاني والأخير، عبر عرض جملةً من الأبحاث والدراسات النوعية، التي ساهمت بتسليط الضوء على أهمية التخطيط المكاني الذكي وربطه بمختلف مفاصل المجتمع، وضرورة الاستفادة منه، بمعالجة المشاكل والتراكمات التي سببتها الحرب، خاصةً وأن أحد أهم الكوارث التي خلفتها مشكلة التوثيق والحصول على البيانات، لما لها من دور هام في الفترة المقبلة، لتبرز هنا بوضوح أهمية التخطيط المكاني من خلال أحد الأبحاث التي قدمت في المؤتمر بعنوان “المساحة التصويرية باستخدام الطائرات المسيرة، مقاربة واعدة في المسح لأغراض التخطيط العمراني في سورية”، ويتضح الدور الكبير في الاستفادة من تلك التقنيات لاستعادة التراث الثقافي بعد الحرب، ومعالجته وتنظيمه لاسيما بعد الضرر والدمار الذي تعرضت له الكثير من المواقع بشكل كلي أو جزئي، خاصةً وأن ما فاقم المشكلة النقص الكبير في الوثائق والمخططات اللازمة لاستعادة هذا التراث الإقليمي سواء فيزيائياً أم افتراضياً وإشراكه في إعادة الإعمار، ليتضح الدور الهام للتوثيق والمسح التصويري في الحصول على بيانات وإعداد مخططات للمواقع الأثرية والمباني التاريخية ولاسيما بعد التقدم والتطور السريع الذي شهده، ما وسَّع استخداماته وهو ما شهدناه من خلال تجربة مسح موقع مدينة بصرى الأثرية باستخدام الطائرة المسيرة uav بعد الضرر الذي تعرض له الموقع خلال الحرب.
ويبين بهجت محمد أستاذ في المعهد العالي للتخطيط الإقليمي في تصريحٍ خاص لـ”البعث” أنه لا يمكن إيجاد تنمية حقيقية من دون ربطها بالمكان والموارد الموجودة فيه، لأنه يتوجب الأخذ بها جميعاً ككتلة واحدة وهو ما نقصده بشكلٍ مبسط بالتخطيط المكاني الذي يفترض أن يأخذ بعين الاعتبار الموارد والأشخاص الموجودين في البقعة الجغرافية ذاتها لرفع مستوى المعيشة بشكلٍ مستدامٍ من جهة ومن جهة أخرى لاستخدام هذه الموارد بطريقة رشيدة حتى لا تُهدر بشكلٍ سريع ولترك جزءاً منها للأجيال القادمة وتحقيق مستويات نمو مرتفعة تنعكس بالنتيجة على مستوى حياة كل إنسان فيها، سواء بالأرياف أم بالمدن.
ولفت محمد إلى أن شح الموارد أثر على معيشة المواطن وعلى قدرة الحكومة على تلبية احتياجاته بشكلٍ كبير، مبيناً أن افتقارنا للتمويل الخارجي والداخلي كان بسبب خوف رؤوس الأموال المحلية من الاستثمار في الإنتاج، الأمر الذي يحتم على الحكومة تشجيع رؤوس الأموال المحلية وحثها على البقاء في البلد وسن المزيد من التشريعات المناسبة الكفيلة بتعزيز الاستثمار خاصة في القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى ضرورة دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لتميكن كل مواطن من الانخراط بالعملية الإنتاجية بمستوى معين زراعي أو صناعي لتحسين وضعه في هذه المرحلة، لأن الحكومة ومع كل أسف لم تعد قادرة على إعادة المواطنين إلى الوضع الذي كانوا عليه في السابق على حدِّ تعبيره.
وأشار محمد إلى أهمية العناوين والأبحاث المطروحة في المؤتمر، كون جزء منها يمس التنمية بشكلٍ مباشر وجزء بشكلٍ غير مباشر، مشدداً على ضرورة الاستفادة ولو بشكلٍ نظري من هذه التجارب والأبحاث التي قُدِمت، واستثمار الأفكار الجديدة استثماراً مباشراً أو غير مباشراً في التنمية، مبيناً وجود الكثير من الدراسات التي أجريت كتلك التي أنجزتها هيئة التخطيط الإقليمي في آذار من هذا العام، إضافة إلى مشروع دراسة إقليمية للساحل السوري الذي أعطى إطاراً للتنمية في الإقليم الساحلي بتفاصيل كثيرة، إلا أنها لم تأخذ حيز التطبيق بسبب عدم التمويل، لافتاً إلى أن مسؤولية تمويل المشاريع خاصة الطموحة منها لا تقتصر على الحكومة، بل يجب أن يكون هناك مشاركة خاصة من جهات مختلفة، إلا أن الحكومة مسؤولة عن تأمين وتسهيل هذه المشاركات عبر التشريعات التي تصدرها.
وفي السياق ذاته أكدت المهندسة بتول محمد أن هذا المؤتمر يقدم تصورات مهمة للتطوير، ومرجعاً لتكوين بنية تحتية ثقافية وعلمية للطلاب والباحثين على حدٍّ سواء.
هذا وقد اختتمت فعالية المؤتمر بتكريم عددٍ من الباحثين المشاركين فيه، علَّه يكون حجر أساس لبناء قاعدة علمية متينة، ومقدمة لدراسة التجارب العالمية واستخلاص الدروس والنتائج منها، وتفادي أخطاءها، علماً أن أحد المشاركين في المؤتمر أشار في حديثه على هامش المؤتمر إلى أن مشاركة هذا الحشد الكبير من باحثين من مختلف الجنسيات، يدل على الثقة بتعافي وعودة الأمن والأمان والاستقرار لبلادنا، خاصة وأن المشاركين سيختتمون زيارتهم، بالذهاب لمدينة تدمر، ما يؤكد على استعادة الدور الثقافي والعلمي والاستراتيجي.