ثقافةصحيفة البعث

العربية.. مات من عاداها

للعربية فرسان يذودون عنها، عشقوا جمالها وكرّسوا حياتهم في سبيل تدريسها والسعي إلى تطويرها لتتماشى مع العلوم الحديثة. وكانت خسارة الضاد لأحد أعتى فرسانها، الدكتور ممدوح خسارة، كبيرة ومؤلمة، ويواسينا أن الموت غيّبه جسداً، فيما ظلت مؤلفاته وعلومه منارة تنير دربنا وتقوم اعوجاج ألسنتنا، ولن يأفل نورها “إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.

على وقع الخسارة الموجع، نظم مجمع اللغة العربية في دمشق حفل تأبين للراحل الدكتور ممدوح خسارة، الذي كان عضواً أصيلاً لم يأل جهداً في تعليم العربية ومد الدارسين بألمع الكتب والمؤلفات. وقد أشار رئيس المجمّع الدكتور مروان المحاسني إلى الفراغ الكبير الذي خلّفه الفقيد، إذ كان له “مساهمة كبيرة في جهود مجمّعنا الذي يثابر منذ تأسيسه على إيصال اللغة العربية إلى ما أصبح ضرورة ملحّة، وهو تمكينها من استيعاب منتجات الحداثة الفكرية العلمية والتقنية”.

وأوضح المحاسني أن التعريب كان هاجساً لدى الفقيد، فمنذ أن انضم إلى لجنة اللغة العربية وعلومها ولجنة ألفاظ الحضارة كانت مشاركته مشاركة فاعلة نظراً لخبرته الطويلة في صعوبات التعريب، وبخاصة تلك المصكوكات اللغوية الأجنبية التي تحمل مفاهيم أو تصف حالات خاصة.. وقد دخلت لغتنا العصرية محمولة على إعلام مفتوح يتوق إلى وضع المقابل العربي لتلك التوصيفات.

وركزت كلمات رثاء الراحل على فداحة الفقد “ناسك من نساك اللغة العربية الذي شكّل غيابه خسارة لا تعوض، ستشعر بها الضاد وكل من يخفق قلبه بحبها”. هذا ما أكده رئيس اتحاد الكتاب العرب، الدكتور محمد الحوراني الذي أضاء على بعض الجوانب في مسيرة العطاء للراحل خسارة وتقديم الممكن للغة الأم، إذ قال: إن الراحل “كان ليلهُ ونهارهُ مركبَيّ إبحار في معاجم الضاد، بحثاً دؤوباً عن كنوزها.. وكان مُكبّاً على وضع مؤلفات تجلو محاسن العربية”.

وألقى كلمة أصدقاء الفقيد القاضي المستشار أحمد فرواتي، الذي أبدى فيها “مرارة ولوعة” رحيل الصديق، واستعرض مناقب الراحل وشريط حياته “المليء بالآمال والأحلام والعطاء”.

ورثا الشاعر خضر مجر الفقيد، وهو أحد تلامذته، ببعض الأبيات الشعرية، وشكر فضله لأن كان دائماً “المعين والسند في رحلة بحثنا المعرفية”.

لا شك أن العربية تندى لفقدان قامة من قاماتها، ولا ريب أن خسارتنا أعظم، لكن صدقت ابنته أريج حين قالت إن عزاءنا أن “أثر والدي طيب جميل، وإرثه العلمي خير شاهد على عطائه”. وتعهدت لروح أبيها، كما غيرها من الحضور والطلبة، بالسير على طريقه والالتزام بنهجه في التمسك بلغتنا العربية الجميلة. واستشهدت بقول أبيها “هذه اللغة ستبقى حية، ومات كل من عاداها، ومات كل من تنبأ بموتها، وستبقى حيّة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها”.

علاء العطار