بعين واحدة على أوكرانيا… الولايات المتحدة مسكونة بأشباح التاريخ
البعث الأسبوعية- علي اليوسف
في عام 1941 أطلق الرئيس الأمريكي حينذاك فرانكلين روزفلت ما يسمى قانون “الإعارة والاستئجار” للمساعدة في تسليح القوات البريطانية والسوفيتية التي تقاتل ألمانيا، وبعد الانتصار على النازية، توقف العمل بهذا القانون حتى بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، حيث لاحت في الأفق تفعيل هذا التشريع مجدداً. وبالفعل وافق الكونغرس الأمريكي على تطبيق قانون “الإعارة والاستئجار” في استحضار لهذا القانون الذي يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة على سبيل الإعارة والاستئجار، كما صادق مجلس الشيوخ على المشروع كي يلغي بعض القيود المفروضة على صلاحيات الرئيس جو بايدن فيما يخص إعارة أو تأجير أسلحة ومعدات عسكرية، لكن ما وراء هذا القانون، وكيف يتم سداد الديون المترتبة على الدولة المستأجرة؟.
الاجابة جاءت سريعاً على لسان فياتشيسلاف فولودين، رئيس مجلس الدوما الروسي، بالقول في قناته على “تليغرام”: “إن دوافع واشنطن واضحة، حيث ستزيد عقود الإعارة والاستئجار أرباح الشركات العسكرية الأمريكية عدة مرات. كان الحال كذلك خلال الحرب العالمية الثانية. لقد تلقى الاتحاد السوفييتي أسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية بموجب قانون الإعارة والاستئجار، وقيل حينها إن تلك مساعدة من الحلفاء. لقد أنقذت بلادنا العالم من الفاشية بثمن باهظ: 27 مليون قتيل. سددنا الديون، وحرمنا أنفسنا لسنوات طويلة، وزودنا الولايات المتحدة الأمريكية بالبلاتين والذهب والأخشاب، وأصلحنا السفن الأمريكية مجاناً، وغيرها من التسويات المتبادلة. بعد 61 عاماً من النصر العظيم على النازية الألمانية، في عام 2006 فقط، تم سداد هذه المدفوعات بالكامل عن عقود الإعارة والاستئجار. إن الإعارة والاستئجار هو قرض سلعي، ليس رخيصاً، ستدفع أجيال المستقبل من المواطنين الأوكرانيين مقابل كل الذخيرة والمعدات والأغذية التي تقدمها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية”.
من الواضح، من وراء هذا القانون، أن الولايات المتحدة مسكونة بأشباح التاريخ، لأن منذ تأسيسه كان قانون “الإعارة والاستئجار” بمثابة تدخل في زمن الحرب، كون الغالبية العظمى من البضائع المسلمة كانت عبارة عن أسلحة، وهو ما جعل هذا الأمر استثنائياً، لأنه في الوقت الذي تم فيه إطلاق برنامج “الإعارة والاستئجار” في آذار 1941، لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب. أي أن ذاك التاريخ وذاك القانون شكلا اللحظة الحاسمة التي تخلت فيها الولايات المتحدة عن مبدأ الحياد، إن لم تكن تشارك فعلياً في القتال. لقد أجبرت فقهاء الدولة العميقة على ابتكار مصطلح جديد لوصف موقف “عدم الاقتتال”، وكان ذلك بمثابة علامة على ظهور الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، لكن على ماذا يشير استدعاء هذا القانون بالنسبة للاتجاه الذي ستأخذه سياسة الولايات المتحدة؟.
في تقرير خطير جداً نشر في صحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “حرب روسيا قد تتحول إلى صراع مباشر مع واشنطن.. كم يمكن أن تستمر مدة حرب أوكرانيا؟.. وما هي المخاطر؟”. تقول الصحيفة في تقريرها: “من المفترض أن الرواية مدعومة بوعد بأن الحرب سيتم كسبها من خلال الرعاية السخية من الولايات المتحدة. ولكن لإكمال هذا القوس السردي، عليك أن تستمر في تحريك عقارب الساعة للأمام من قانون الإعارة والاستئجار إلى ميثاق المحيط الأطلسي في آب 1941، إلى بيرل هاربور ودخول الولايات المتحدة في الحرب”.
من خلال تقديم المساعدة لكل من الصين والإمبراطورية البريطانية، كان هذا القانون بمثابة خطوة حاسمة في تحويل ما كان في الأصل حرباً يابانية منفصلة على الصين، وحرباً ألمانية في أوروبا إلى حرب عالمية. إذا كان الكونغرس الأميركي يطلق برنامج الإعارة والاستئجار الجديد، فإن مسألة ما إذا كان التصعيد جزءاً من الخطة يجب أن يؤخذ في الاعتبار.
لطالما أصر أصدقاء روزفلت ومنتقدوه على أن إثارة الحرب مع ألمانيا النازية كان الأجندة الخفية لهذا البرنامج. قد يجادل معظم المؤرخين اليوم بأن نوايا الرئيس كانت غير مؤكدة. حتى بعد بيرل هاربور، لم يكن من الواضح أن روزفلت قد يجد دعم الأغلبية لإعلان الحرب على ألمانيا. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كان خصومنا هم الذين تُركوا أمام خيار التصعيد من المواجهة الاقتصادية إلى المواجهة العسكرية. في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت دوافع هؤلاء الخصوم غامضة”.
تضيف الصحيفة، من يستطيع أن يتكهن كيف سيكون رد فعل الرئيس الروسي؟. أسئلة أخرى تثار، هل ستُمنح أوكرانيا السلاح فقط لطرد الجيش الروسي؟ أم سنجهز كييف لضرب روسيا نفسها؟. في عام 1941، كانت الرؤية الأنغلو- أميركية الرئيسية هي شن حملة قصف إستراتيجية غير مسبوقة لتدمير المدن الألمانية و”تحطيم منازل” سكانها باستخدام القنابل التقليدية، لكن جزءاً من المقايضة للشراكة الأنغلو- أميركية كانت مهمة “تيزارد” والتي من خلالها تم نقل المعرفة البريطانية، بما في ذلك تطوير القنبلة الذرية، إلى الولايات المتحدة.
وراء السرد المنمق عن حرب جيدة انتصرت فيها ترسانة “الديمقراطية”، يراقب الجميع اندلاع حرب عالمية جديدة. كان هذا هو الكابوس الذي طارد معارضي روزفلت في أميركا عام 1941، لقد تحسروا على انجرار الولايات المتحدة إلى صراع رهيب ثان، وعسكرة النظام العالمي، ولم تكن هذه وجهة نظر هامشية. في حين أن نسخة 2022 من قانون “الإعارة والإستئجار” تم إقرارها في مجلس الشيوخ بالإجماع، ففي عام 1941 صوت ثلث مجلس الشيوخ ضدها، وحينهها عرف روزفلت أن الجمهور الأميركي لم يكن مستعداً للحرب، وأعرب عن أمله في أن يسمح قانون “الإعارة والاستئجار” له بتجنب المطالبة به. كان هذا هو الشعور الذي استند عليه تشرشل عندما ناشد الولايات المتحدة في شباط 1941 عدم الدخول في الحرب، ولكن لإعطاء بريطانيا وإمبراطوريتها الأدوات “وسننهي المهمة”، وهذا ما أدى إلى توضيح حقيقة أن الولايات المتحدة كانت تدفع للآخرين لخوض المعركة نيابة عنها، بحسب تقرير “نيويورك تايمز” .
ورأت الصحيفة أن هذا هو بالضبط موقفها اليوم، فهي تختار وحلفاؤها دعم جانب واحد في معركة لن ينخرطوا فيها بشكل مباشر، وها هي تسير على خطى روزفلت، واضعة عيناً واحدة على أوكرانيا، والعين الأخرى على التوازن الجيوسياسي.