روسيا وإيران تتشاطران تجربة تجاوز العقوبات الغربية
سمر سامي السمارة
اتصفت الخطابات الأخيرة لممثلي روسيا وإيران حول الاتصالات المكثفة بين البلدين بالإيجابية، وقُيَمت زيارات واجتماعات ومفاوضات المسؤولين في كلا البلدين بأنها تمثل إرادة ثابتة لا تتزعزع لهذه الدول، وأنها تهدف إلى تشكيل حقبة جديدة، من التعاون الإستراتيجي متبادل المنفعة، ولاسيما في المجال الاقتصادي.
وبحسب صحيفة “رسالات” الإيرانية، تعيش الجمهورية الإسلامية منذ عقود في ظلّ عقوبات اقتصادية فرضها الغرب، كما تواجه روسيا الآن عقوبات غير مسبوقة فرضها الغرب أيضاً، حيث أصبحت أول دولة تواجه هذا الحجم من العقوبات الاقتصادية المفروضة.
ولإظهار موقف وديّ تجاه تطوير وتعزيز العلاقات مع روسيا، دعت طهران موسكو لمشاطرتها تجربتها في التغلب على القيود غير القانونية التي تفرضها الدول الغربية، كما أعربت طهران عن ضرورة التنسيق الفعّال في مواجهة العقوبات الأحادية الأخيرة التي فرضتها بعض الدول ولاسيما الولايات المتحدة، على الدول ذات السيادة.
في هذا الإطار، لفت نائب وزير النفط الإيراني أحمد أسد زاده، أثناء حديثه في أسبوع الطاقة الروسي الأخير في موسكو، إلى أن العقوبات ضد روسيا على الرغم من أنها جريمة ضد الإنسانية، لكنها تخلق فرصة لمزيد من التماسك، وأضاف أنه لمواجهة العقوبات الغربية المفروضة على سوق الطاقة الروسية، ستستعين شركة “غازبروم” لنقل الغاز إلى الدول المجاورة بإيران، خاصة وأن تلك الدول هي سوق كبير لمستهلكي الغاز.
بالنسبة لشركة “غازبروم” تعتبر مثل هذه الفرصة مهمّة للغاية، حيث ستتمكن من تصدير غازها عبر إيران، إلى الدول المجاورة لإيران مثل باكستان التي تعتبر مستهلكاً كبيراً للغاز.
أبرمت روسيا وإيران صفقات في صناعة النفط والغاز بقيمة تزيد عن 40 مليار دولار، ففي أوائل تشرين الأول الجاري، قدّم نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك بعض الإيضاحات بشأن هذا الأمر، قائلاً إن روسيا وإيران تعملان على إبرام اتفاق فوري يتعلق بعمليات تبادل النفط والغاز، ورداً على سؤال بشأن الكميات التي تتمّ مناقشتها مع إيران، والمتعلقة بتبادل النفط والغاز، أوضح نوفاك: “نعتقد أنّ النفط في المرحلة الأولى سيبلغ نحو 5 ملايين طن في السنة، والغاز سيقدّر بنحو 10 مليارات متر مكعب”.
وفي مواجهة العمل التخريبي الموجّه، الذي نفذته الدول الغربية ضد خط أنابيب “نورد ستريم2” في بحر البلطيق في 26 أيلول الماضي، فضلاً عن “التسرب المفاجئ” في أحد أنابيب “دروزبا”، أصبحت هذه المقترحات الإيرانية لتزويد ناقلات الطاقة الروسية ملحة بشكل خاص اليوم.
من حيث الجدوى العملية لهذا الاتفاق، أكد وزير النفط جواد أوجي رسمياً أن روسيا وإيران أبرمتا صفقة غاز بقيمة 44 مليار دولار، ويشمل ذلك بناء خط أنابيب غاز ومحطات غاز طبيعي مسال في إيران، وتخصيص جزء من الاستثمار -4 مليارات دولار- لاستخدامه في تطوير حقل إيراني. ونظراً إلى أن مثل هذه المشاريع تستغرق ما لا يقلّ عن 5-6 سنوات للتنفيذ، من دراسة الجدوى إلى التنفيذ، سيكون هذا مشروعاً للعقد القادم، حيث ستموّل شركة “غازبروم” المشروع بقروض بنكية، مع إمكانية وجود بعض المؤسّسات المالية التي تمّ إنشاؤها في الاتحاد الروسي لتحقيق غرض المشروع، والإقراض من المؤسّسات المالية الموجودة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وكجزء من مذكرة التفاهم بشأن التعاون الخاص بمجال الطاقة التي تمّ التوقيع عليها في الصيف من قبل ممثلي شركة “غازبروم”، والشركة الوطنية الإيرانية للنفط، تمت مناقشة إمكانية عمليات التبادل للشحنات إلى الأسواق.
في استراتيجية طويلة الأجل -نظراً لموقعها الجغرافي- يمكن لإيران تسهيل وصول الغاز الروسي إلى الأسواق الباكستانية والهندية عبر خط الأنابيب، إذ من المؤكد أن يؤدي ذلك إلى زيادة كفاءة مشاريع خطوط الأنابيب في المنطقة، كما سيجمع المورّدين الرئيسيين الثلاثة، روسيا وإيران وتركمانستان. وفي حين أنه من السابق لأوانه القول إن أسواق الغاز الباكستانية والهندية قابلة للمقارنة من حيث السعة مع السوق الصينية التي أعادت شركة “غازبروم” توجيه نفسها إليها بالفعل، فإن الآفاق الناشئة من التعاون في مجال الغاز بين موسكو وطهران ستسمح مع ذلك لإسلام أباد ونيودلهي بتسريع تنفيذ خططهما الاقتصادية السابقة.
إن التعاون المكثف في مجال الغاز بين روسيا وإيران، سيسمح لكلا البلدين بإعطاء دفعة إضافية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال الصناعي الخاص بهما، والذي ارتفع الطلب عليه بشكل كبير في الآونة الأخيرة. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن إيران تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز في العالم، في حين تبلغ حصتها في الإنتاج 5.4٪ فقط، إذ يعيق الافتقار إلى البنية التحتية للتصدير، وعدم قدرة إيران على تسييل الغاز الطبيعي، الناجمان عن العقوبات الغربية، قدرة إيران على زيادة إنتاج الغاز. وفي حال تنفيذ المشروع الروسي الإيراني، فسيتمّ أيضاً بناء العديد من مصانع الغاز الطبيعي المسال الجديدة في كلا البلدين، ما يعطي دفعة إضافية للاقتصاد الروسي والإيراني على حدّ سواء.