“الطاقة الكهربائية” على محك الحكمة الاستثمارية للحكومة
عبد اللطيف عباس شعبان
كادت الكهرباء أن تكون -بل هي كذلك- حاجة أساسية كالهواء والماء والغذاء والدواء، خاصة وأنها أصبحت الأساس اللازم لتأمين هذه الحاجات التي بدونها لا حياة للكائنات الثلاثة (الإنسان والحيوان والنبات)، لا بل إن الاستفادة المثلى من الجماد (الصخر– التراب- المعادن بأنواعها) تتطلّب الكهرباء، والمؤسف أنه قد مضت سنوات خلت، ونحن نعيش الخلل والأمل بتحسن التيار الكهربائي، ويندرُ أن أعقب وعد التحسن التحسن بعد الإعلان عن إنجاز صيانة محطات عاملة، أو استكشاف آبار غاز أو نفط جديدة، أو زيادة الكمية المتوفرة إنتاجاً أو استيراداً من مادتي الغاز والنفط،، ومن الإنصاف الاعتراف بأنه قد تمّ الوفاء النسبي ببعض الوعود، ولكن استمرار ذلك كان لأيام وبشكل متقطع ويندر أن استمر لأسابيع.
خسائر كبيرة جداً تعرّضت لها القطاعات الاقتصادية (العام والخاص والتعاوني والمشترك والأهلي) نتيجة عدم توفر التيار الكهربائي للوقت المطلوب، ونتيجة انقطاعاته المتكررة خلال الفترة القصيرة لمجيئه، ما أثر على ضعف ساعات العمل وبالتالي ضعف كمية الإنتاج، بل ونوعيته (فيما يخصّ بعض المنتجات والخدمات)، وترافق ذلك بحدوث أعطال كثيرة في كثير من الآلات الكهربائية، كلف إصلاحها وصيانتها مبالغ كبيرة، لا بل وقد خرجت بعض الآلات من الخدمة، وبعض المنشآت خرجت من الخدمة بكامل آلاتها ومعداتها، وترتب على ذلك خروج الكثير من العاملين من الخدمة أكانوا يعملون لحسابهم أو بأجر لدى الغير، واتجاه أعداد غير قليلة منهم إلى مكاتب الهجرة والجوازات، والطامة الكبرى ظهرت بخروج بعضهم بشكل غير نظامي، وحادثة القارب البحري الذي غرق قبل أسابيع دليل واضح، وقد يكون سبقها قوارب أكملت سيرها.
ولا يغيب عن الذهن المعاناة الأسرية الكبيرة، التي تحملت نفقات كبيرة جداً على صيانة وإصلاح أدواتها المنزلية الكهربائية وخسرت الكثير منها، نتيجة منعكسات خلل التيار الكهربائي، واعتاد أطفالها أن يحضروا دروسهم على ضوء اللدات الضعيفة الإنارة، أو على ضوء الهاتف الخليوي (لمن يملكونه). ويبقى السؤال الذي يخطر ببال الكثيرين إلى متى ذلك؟!.
الملفتُ للانتباه أن هذه الحال مستمرة إلى سنوات قادمة، بدليل استمرار استيراد واقتناء المولدات الكهربائية التي تستخدمها الأسر والمنشآت، بالتوازي مع استقدام ونصب المولدات الكبيرة -في الشوارع والساحات- التي تنتج الأمبير التجاري العالي الثمن، مع تشجيع السلطات الكبير لاستخدام معدات الطاقة الشمسية المنشآتية والمنزلية، واعتماد منح قروض مصرفية دون فائدة لهذه الغاية، واستمرار تشجيع منشآت الطاقة البديلة التجارية التي تبيع إنتاجها إلى الدولة وبالعملة الصعبة، وقرار وزارة الاقتصاد (حسب تصريح مديرة السياسات في وزارة الاقتصاد) باستمرار فتح باب استيراد ألواح الطاقة الشمسية بحجة أنه ليس بمقدور الصناعة المحلية البديلة تغطية السوق الداخلية منها بالسرعة المطلوبة.
ومؤخراً صرّح السيد وزير النفط أن العقوبات الأمريكية تعيق أية عمليات تنقيب في المتوسط، فقطاع النفط السوري خاضع للعقوبات الأمريكية، التي تتضمن حظر توريد التكنولوجيا، وسورية الآن بحاجة لتجديد عمليات المسح السيزمي في المياه قبل التنقيب، وقال: “في المياه السورية تمّ فقط إجراء عملية مسح نفذتها شركة نرويجية في العام 2005، وأية عملية تنقيب يجب أن تسبقها عملية مسح (جيولوجي)، ومنطقة شرق المتوسط غنية باحتياطيات النفط والغاز، وخاصة الغاز، وقد سبقتنا دول عديدة في مجال التنقيب في هذه المناطق.
المؤسف أن كلّ هذه الوقائع المؤلمة توحي بآفاق مظلمة، فاستمرارية التقنين الكهربائي واحتمال بقاء الحال لسنوات قادمة، أمر غير مقبول في بلدنا سورية، بل إنه الضيم غير المعهود وغير الموعود وغير المتوقع وغير المأمول، لا رسمياً ولا شعبياً، فهل من حكمة لدى الحكومة؟.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية