فض التشابك المالي..؟!
بشير فرزان
رغم الحديث المتكرّر عن ملف التشابكات المالية، وإصدار أكثر من قانون وتوجيه لحلّ هذه التشابكات بين جهات القطاع العام، ومعالجة الانعكاسات الكبيرة في الأوضاع المالية لبعض الوزارات والمؤسسات والشركات العامة، إلا أن هذا الواقع ما زال حاضراً حتى هذه اللحظة، ويتسبّب بالكثير من المشكلات، وخاصة مع كثرة الإعانات المالية الداعمة لعمل المؤسّسات.
ولا شكّ أن الاقتصار على حلّ هذه التشابكات بإصدار قانون، بين الفينة والأخرى، يفضّ المديونيات المتبادلة بين جهات القطاع العام، على مبدأ “عفا الله عما مضى” دون إلزام كلّ جهة بتسديد ما عليها من مستحقات مالية، يتسبّب بأزمات مالية لمؤسّسات إستراتيجية لها وزنها في الخارطة الاقتصادية والخدمية، كما هو الحال بين وزارتي النفط والكهرباء التي يتمّ إطفاؤها بالتوجيهات، وكمؤسّسة التأمينات الاجتماعية التي وصلت ديونها المترتبة على الجهات العامة إلى مئات المليارات من الليرات السورية، ويمكن أن نطرح هنا – حسب مصادر – العديد من المؤسّسات التي باتت على حافة الانهيار نتيجة عدم حلّ ومعالجة هذا الملف الشائك!
ولا يخفى على أحد أن تفعيل، أو لنقلْ تكريس المحاسبة الفعلية يسهم في التخفيف من الضغوط والأعباء المالية التي تتسبّب بها هذه التشابكات المالية الثقيلة على مسيرة العمل، مع الانتباه إلى أن هذا الوضع المتشابك لا يخلو من الفساد، ولاسيما من جهة تواطؤ “البعض” من جهة “الدائن”، مع “البعض” من جهة “المدين”، وبالتالي من الضروري حسم هذا الملف لاعتبارات أولها يتعلق بإعطاء زخم لعمل المؤسّسات على مختلف مستوياتها، وإطلاق نشاطها لمنافسة القطاع الخاص، وثانيها له علاقة بإظهار حقيقة الخلل الحاصل في أداء بعض الجهات المدانة وتقصيرها وعدم خلط الأوراق، ليذهب عمل الصالح بالطالح كما يقال، أي أن تحمل الجهة الرابحة زميلتها الخاسرة وتضيع بالنهاية محاسبة المقصّر!!.
وطبعاً الخوض في غمار ملف التشابكات المالية لا يخلو من الحديث عن تقييم أداء مؤسّسات وشركات القطاع العام التي ما فتئ بعضها يتحايل عبر الحسابات المالية لإظهار ربحية وهمية لهذه المؤسّسة أو تلك الشركة، وهنا يتبيّن لنا ضرورة مراجعة ميزانيات المؤسّسات والشركات بشكل أساسي لمعرفة قيمة أرباحها الحقيقية، حيث إن بعض المدراء العامين يتباهون بربحية مؤسّساتهم غير الرابحة بالأصل وفق حسابات الميزانية الختامية للمؤسسة على اعتبار أن نفقاتها أكبر من إيراداتها، فعلى سبيل المثال يورد بعض المدراء أمام رؤسائهم أن قيمة شراء سلعة ما بلغ 10 ملايين ليرة وتمّ بيعها بـ 12 مليوناً، أي أن قيمة الربح الصافي من هذه العملية هو 2 مليون، لكنهم في حقيقة الأمر يخفون ما يلحق بها من نفقات إدارية ورواتب وأجور، فتكون المؤسّسة في نهاية المطاف خاسرة لدى حساب الميزانية الختامية لها، وهذه الحالات تتكرّر في النهاية… فهل تبقى الأمور على حالها “النوم بالعسل”، أم يصحّح المسار المالي وفقاً للواقع، بحيث يتمّ حلّ كافة التشابكات المالية للوصول إلى تقييم دقيق وحقيقي للمؤسّسات من مختلف المناحي؟!