تموت الديمقراطية عندما يطرق المال الباب
هناء شروف
كم يكلف أن تصبح رئيساً للولايات المتحدة؟. في عام 2004 تم إنفاق 700 مليون دولار، وفي عام 2008 ارتفع هذا الرقم إلى مليار دولار، وفي عام 2012 تضاعف إلى ملياري دولار، وفي عام 2016 تمّ إنفاق ما مجموعه 6.6 مليارات دولار على الانتخابات الأمريكية الرئاسية والكونغرس، وفي عام 2020 ارتفع الرقم إلى نحو 14 مليار دولار وهو رقم قياسي. قال أوليفر ستون مخرج هوليوود الشهير: “عندما يتطلب الأمر 14 مليار دولار لانتخاب رئيس فأنت تتساءل عن نوع هذه الديمقراطية”.
ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، تتدفق الأموال على الساحة السياسية الأمريكية، ويستذكر الجميع ما قاله السيناتور مارك حنا، عام 1895، عندما تحدث عن نجاحه في مساعدة ويليام ماكينلي على الفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مرتين: “هناك شيئان مهمان في السياسة: الأول هو المال ولا أتذكر ما هو الثاني”.
في مختلف الانتخابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة يتطلّب الأمر الكثير من المال لتذكير الجمهور بوجود المرشح، حيث تتطلّب الإعلانات، وتوظيف الموظفين، والمواد الترويجية، والحملات، وغير ذلك الكثير من الأموال. ومن أجل تحمّل نفقات الحملة الضخمة عادة ما يضع المرشحون على رأس أولوياتهم العثور على “القط السمين” لتمويل حملتهم.
لا يوجد شيء اسمه وجبة غداء مجانية في العالم، وعليه فإن تدفق الأموال السوداء يؤثر بلا شك على سلوك المرشحين، ومواقف الأحزاب السياسية وقرارات الحكومة. مثلاً، في قضية السيطرة على السلاح في الولايات المتحدة، لم تستطع أي إدارة إصدار أي تشريع لمراقبة الأسلحة، بسبب المبالغ المالية الهائلة التي تدفعها كتلة مكافحة الأسلحة النارية التي تضمّ أكثر من 5 ملايين عضو، وبسبب توغل الرابطة الوطنية للبنادق “إن أر أيه” بعمق في جميع المستويات، وجميع مجالات السياسة الانتخابية الأمريكية.
لماذا لم يتحقق حلم مارتن لوثر كينغ بعد 59 عاماً؟ لماذا لا يزال الانقسام العرقي الاقتصادي يتسع ويزداد عدم المساواة؟ لماذا يعتبر الأمريكيون الأفارقة وغيرهم من الملونين أكثر فقراً من البيض؟ لماذا تحدث جرائم الكراهية ضد الآسيويين بشكل متكرر والتمييز مستمر بلا هوادة؟ السبب العميق الجذور لمثل هذا الظلم هو أن الحكومة الأمريكية والأحزاب السياسية كانت تحت سيطرة مجموعات المصالح لفترة طويلة، في حين أن المحرومين ليس لديهم نفوذ يذكر. وقد أشار نعوم تشومسكي الناقد الاجتماعي والناشط السياسي إلى وجود علاقة إيجابية بين تأثير الأمريكيين على صنع السياسة ومستوى ثروتهم، مؤكداً أن نحو 70 بالمائة من الأمريكيين ليس لديهم مثل هذا التأثير على الإطلاق.
على الرغم من أن كلّ شخص لديه حق التصويت في الانتخابات ظاهرياً، إلا أن قلة من الناس لديهم في الواقع نفوذ غير متكافئ على نتيجة الانتخابات، وهذا التدفق الاستثنائي للمساهمات الضخمة يمنح الأثرياء تأثيراً كبيراً على الانتخابات، وتأثيراً مفسداً على قرارات الحكومة، كما أنه يخلق حالة من السخرية العميقة بين الشعب الأمريكي بشأن تمثيل مصالحهم بشكل عادل في واشنطن.
من “احتلوا وول ستريت” إلى “حياة السود مهمة”، لا تزال العدالة التي كان الشعب الأمريكي يتوق إليها بعيدة المنال، وربما يكون قرع الأموال السوداء أعلى من أن يسمع السياسيون الأمريكيون أصوات الناس، وكما قال الرئيس الأمريكي التاسع والثلاثون جيمي كارتر: “لقد أصبحنا الآن أوليغارشية، لقد ماتت الديمقراطية”.