اقتصادصحيفة البعث

مؤشــرات هيئــة الأوراق: رأس المال لايزال يتجه إلى الاستثمارات السهلة القطاع الزراعي “خارج التغطية” والصناعي يتدهور مقابل انتعاش لافت لـ”الاتصالات”

ربما لم يعد يخفى على السواد الأكبر منا غنى سورية بمواردها الطبيعية الناتجة عن التنوع البيئي والمناخي، وكذلك بالمورد البشري المتجدّد –حقيقة- سواء لجهة نتاج الفكر الأدبي، أم لجهة التحصيل العلمي، أم لجهة العمالة الماهرة، ما يؤهلها لأن تكون محور استقطاب استثماري حقيقي، إلا أن واقع الحال يشي بعكس ذلك، فإذا ما حاولنا تحليل واقع الشركات المساهمة المنضوية تحت إشراف هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية واتخاذها أنموذجاً يمكن من خلاله تشخيص واقع الاستثمار في سورية وذلك على اعتبار أن هذه الشركات من أكثر المكونات الاقتصادية تنظيماً وشفافية، نجد –للأسف- طغيان النشاط الريعي للاقتصاد الوطني على نظيره الحقيقي، لاعتبارات تتعلق ربما بالعائد الربحي السريع للأول مقارنة مع الثاني الذي قد تتأخر فيه فترة استرداد رأس ماله، مضافاً إليها ارتفاع عامل المخاطرة.

صدارة المشهد

يتصدّر قطاع المصارف مشهد الشركات المساهمة العامة لجهة العدد والبالغ 14 مصرفاً، منها ثلاثة مصارف إسلامية و11 تقليدية، يليه قطاع الخدمات بـ 11 شركة، ثم التأمين بسبع شركات، وكذلك الزراعة بسبع شركات، ثم الصناعة بست شركات والصرافة بست شركات أيضاً، وأخيراً الاتصالات بشركتين.

تحليل

ويتبين لنا لدى تحليل البيانات المالية النصفية لهذه الشركات أنه في الوقت الذي تبلغ الأرباح النصفية لـ11 مصرف 7.818 مليارات من أصل 14 مصرفاً ثلاثة منها خاسرة، نجد أن الأرباح النصفية لشركتي الاتصالات تصل إلى 40 مليار ليرة، بينما إجمالي ربح ست شركات تأمين 4.024 مليارات، مع الإشارة إلى خسارة واحدة منها، بينما في قطاع الخدمات الذي تعمل فيه أغلب شركات تقدم خدمات نقل وسياحة وسفر، نجد توقف 4 شركات من أصل 11 شركة، وإفصاح ثلاث شركات فقط عن بياناتها المالية محققة أرباحاً بنحو 176 مليون ليرة، فيما حقق قطاع الصرافة المكون من ست شركات أرباحاً بقيمة 85.131 مليون ليرة عائدة لشركتين فقط، في ظل توقف شركة واحدة، وعدم إفصاح ثلاث أخرى.

قاتم

ويبدو المشهد قاتماً إذا ما تطرقنا إلى أهم قطاعين إنتاجيين “الزراعة والصناعة”، إذ تبين البيانات المالية لشركات هذين القطاعين –التي اطلعت عليها “البعث”- توقف شركة عن العمل من أصل ست شركات، أفصحت اثنتان منها عن بياناتها النصفية محققة ربحاً بقيمة 4.470 مليارات ليرة، مع الإشارة هنا إلى أن الربح الأكبر كان من نصيب إحدى هاتين الشركتين العاملة بمجال إنتاج الإسمنت بقيمة 4.345 مليارات، ويرجح المراقبون في هذا السياق أن سبب تحقيقها هذا الرقم يعود لزيادة حركة البناء العمراني، بينما ربح الأخرى العاملة في مجال إنتاج الزيوت بلغ 125.235 مليون ليرة..!

في حين أن القطاع الزراعي الذي يضم سبع شركات لم يرشح عنه أي رقم يشخص أرباح هذا القطاع، نتيجة توقف شركة واحدة عن العمل، وعدم إفصاح ست شركات عن بياناتها..!

وسم

تؤكد هذه الأرقام حقيقة ما يوسم به “رأس المال” من صفة الـ”جُبن”، نتيجة انجذابه للمطارح الاستثمارية السهلة التي غالباً ما تندرج ضمن إطار الريعية، فمع إقرارنا بأهمية وجود شركات مالية وخدمية ريعية، كمكونات لابد منها في الاقتصاد الوطني، نظراً لدورها الرافد للعملية الاستثمارية وتفعيل الإنتاج، إلا أن طغيان هذه الشركات على المشهد العام للاقتصاد يشي بخلل بنيوي يستوجب تداركه، ولنا بتجارب العديد من الدول بعض الدروس المستفادة، فدول الخليج مثلاً هي من أغنى دول المنطقة، لكن اقتصادها بالنهاية هش، لاعتبارات تتعلق أولاً بأنها دول استهلاكية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وثانياً فإن شبه انعدام الإنتاج فيها سواء الصناعي أم الزراعي حولها إلى دول تابعة لمن يؤمن لها احتياجاتها الأساسية دون عناء مادام سيل الدولارات جارياً، ولعل ما حدث لقطر من حصار بري وجوي أطبق الخناق عليها، لهو أكبر عبرة لكل دولة مستهلكة، فقد دُقَت خلال أيام وربما ساعات قليلة نواقيس خطر نفاذ الأغذية من أسواق أغنى دولة في المنطقة، نتيجة إفراطها بالاعتماد على الاقتصاد الريعي على حساب الإنتاجي، كما أن إمارة دبي التي استقطبت كبرى الاستثمارات العالمية لتتحول إلى قوة اقتصادية بأموال وقوى الغير، إلا أن العنوان الرئيسي للاستثمار في هذه الإمارة الصغيرة هو ريعي بالدرجة الأولى قوامه “سياحة – مصارف – تأمين..إلخ”، فهذا النوع من الاستثمار صحيح أنه يحقق موارداً مالية هائلة، إلا أنه سرعان ما ينهار مع أول هزة مهما كان نوعها وحجمها “سياسية – أمنية – طبيعية..إلخ”، وبالتالي فإنه أشبه ما يكون بـ”نمر من كرتون”..! على عكس الاستثمارات التنموية الحقيقية “صناعة – زراعة” كما هو حاصل في دول شرقي آسيا التي استطاعت بجدارة انتزاع لقب “النمور الأسيوية”..!

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com