كلا.. ليست إبداعات شخصية!
علي عبود
سبق للجنة الاقتصادية في الحكومات المتعاقبة أن رفعت سعر ربطة الخبز عدة مرات، تدريجياً من 3 ليرات إلى 200 ليرة حالياً، وتحديداً لمن يمتلك قدرة الانتظار عدة ساعات للحصول عليها في طوابير لم يهتمّ أي وزير للتموين أو للتجارة الداخلية باجتثاثها على مدى العقود الماضية!!.
واستناداً إلى الارتفاعات التدريجية لرغيف الخبز، فليس مستبعداً ولا مستغرباً أن تفاجئنا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بقرار في منتصف ليلة قادمة برفع جديد لسعر ربطة الخبز، بل إن وزير التجارة الداخلية مهّد لهذا القرار الذي لن تتردّد اللجنة الاقتصادية بالموافقة عليه عاجلاً أم آجلاً كما فعلتها سابقاً. ويبدو أن الوزير، وربما اللجنة الاقتصادية أيضاً، غضبا من قيام مدير المواد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية، إسماعيل الملا، في تصريح ملفت لجريدة “البعث” بالكشف عن “دراسة لتصحيح واقع الأفران، ومنحها هامشاً ملائماً من الربحية، للتمكّن من كبح التجاوزات وتطبيق بنود المرسوم 8 بصورة عادلة، وذلك من خلال زيادة سعر ربطة الخبز، ولو بنسب بسيطة تسمح بتحقيق أرباح واقعية للأفران”!
غضبُ الوزير، وغضب اللجنة الاقتصادية، لم يكونا بسبب الكشف عن دراسة لزيادة سعر ربطة الخبز، وإنما لأنه أفشل عنصر المفاجأة ومباغتة ملايين الأسر السورية، فمثل هذه القرارات تصدر دائماً في الليالي السوداء، وليس في وضح النهار!!
نعم، استغربنا جداً النفي القاطع والجازم لمسؤول في وزارة التجارة الداخلية عن وجود أي دراسة أو نيّة لرفع سعر ربطة الخبز، مبيناً أن رفع سعر ربطة الخبز يتمّ بتوجيه من اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، وهذا صحيح تماماً، فاللجنة هي من يوافق على رفع الأسعار وليس الوزير، والدليل أن وزير التجارة سبق ونفى بشكل قاطع أي دراسة لرفع أسعار المحروقات، لنفاجأ مع الوزير أن اللجنة الاقتصادية وجّهت الوزير بعد أيام بإصدار قرارات “الرفع”!!
ومن المحرج أن يؤكد مسؤول حكومي بأن “مدير المواد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لم يتحدث أبداً عن وجود دراسة لرفع سعر الربطة للوسيلة الإعلامية (يقصد “البعث” التي نشرت الخبر)، إنما تحدث معها عن موضوع الهدر الحاصل في الأفران، وآلية الحدّ من الهدر المتّبعة وعن التكاليف”!
ترى هل ما نشرته “البعث” على لسان الملا هو فعلاً كما نشرت وزارة التجارة، عبر حسابها على الفيس بوك، هو “محض تخيلات وإبداعات شخصية لا أساس لها من الصحة”؟
تجاربُ زملائنا مع المسؤولين بمختلف مسمياتهم ومتدرجات مناصبهم تؤكد بأنهم يتراجعون عن تصريحاتهم إن لم تكن مسجلة فور تلقيهم تأنيباً أو توبيخاً من رؤسائهم، وهذا ما حصل قطعاً مع مدير المواد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وسيحصل حتى مع أي وزير إن أغضب تصريحه رئيس الحكومة، وفي أرشيف الزملاء أمثلة كثيرة على هكذا حالات يفتقر أصحابها المسؤولين إلى الجرأة والشجاعة.
الخلاصة: ما نشرته “البعث” عن وجود دراسة لزيادة سعر ربطة الخبز ليس تخيلات ولا إبداعات شخصية اختلقتها، بل هي معلومة كشفها مدير المواد والأمن الغذائي في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وإرغام هذا الأخير على نفيها لا ينفي وجودها على طاولة وزير التجارة، أو إدراجها في جدول أعمال اللجنة الاقتصادية التي ربما ستتريث في القادم من الأيام بتوجيه صدور قرار برفع سعر ربطة الخبز بعدما فقد عنصر المفاجأة والمباغتة أسوة بجميع القرارات السابقة!!