إذا ما صح القول!!
معن الغادري
لا شك أن ما نمر به من واقع معيشي واقتصادي صعب، ترك القليل من الخيارات، والتي تكاد تكون محدودة بل معدومة، أمام المواطن لتدبر أمور حياته ومتطلباته اليومية، في ضوء تراجع دخله اليومي أو الشهري، والمتزامن مع تواتر غير مسبوق في الأسعار، وعجز حماية المستهلك عن إنجاز أبسط المهام المنوطة بها، وهي حماية المواطن من جشع واستغلال واحتكار التجار. والمتتبع لحركة السوق في حلب على وجه التحديد دون باقي المحافظات يكتشف، دون أي عناء، أن القاسم المشترك لكل ما يجري من تجاوزات وحالات غش وتدليس وارتفاع حاد وعشوائي وفوضوي للأسعار، هو تراخي الرقابة وغيابها في معظم الأحيان، وتعاطيها مع هذه الفوضى “بإذن من طين وأخرى من عجين”، واكتفائها بتسطير الضبوط التموينية، والتي أثبتت بالرغم من كثرتها ووفرتها، أنها ليست الحل لضبط حركة الأسواق، خاصة إذا ما صح القول المتداول في الأوساط، أن العديد من الفعاليات والمحال التجارية والمستودعات المتحكمة بالسوق، بعيدة عن أعين الرقابة، لما يربطها من علاقات وطيدة مع البعض، ولاستقوائها ببعض المتنفذين، والتي زادت من سلطتهم وتحكمهم بالسوق وبقوت المواطن، ما جعل “الكل يغني على ليلاه”، في وقت لم يعد لصوت المواطن أي صدى أو استجابة لدى أروقة المؤسسات المعنية ومكاتب المسؤولين، والتي غالباً ما تكون موصدة بوجه قاصديها. ما دفعنا للحديث مرة جديدة عن حال الأسواق، هو ما يستجد من أزمات إضافية، مع دخول فصل الشتاء، والحاجة الماسة لتأمين الحد الأدنى من متطلبات هذا الشهر، من تدفئة وكسوة ومأكل ومؤونة ولوازم دراسية وغيرها من احتياجات الأسرة، وهو الذي لا يمكن توفيره تحت أي بند في ظل التفاوت الكبير والفاضح بين الدخل والمصروف، إذ من الصعب جداً على أي رب أسرة في هذا الظرف المعيشي والاقتصادي الصعب أن يشتري لتر المازوت والمتوفر بكثرة في السوق السوداء بسعر 7 ألاف ليرة، وأن يشتري “جاكيت” له أو لأحد أبنائه ليقي نفسه برد الشتاء بمقدار ما يقبضه من راتب شهري، وأن يصل قيمة اشتراكه بما يسمى “الأمبيرات” – والتي وصفها أحد المسؤولين في حلب بأنها “ميزة ترفيهية” – إلى أكثر من مائة ألف ليرة. وهنا التعداد يطول ويطول، في سجل الاحتياجات والالتزامات التي لا تنتهي، مع أفول فصل وقدوم آخر.
خلاصة القول: إن استمرار الحال على ما هو عليه، وتجاهل الجهات المعنية بقصد أو بغير قصد، لما يجري في الأسواق، يمنح حيتان السوق فرصاً إضافية لخنق المواطن بقوته ولقمته، والمطلوب أن تتخلى حماية المستهلك عن مرونتها ومحاباتها لكبار وصغار التجار ، وأن يكون محركها الأساسي والمباشر مصلحة المواطن وحمايته من الاستغلال والإبتزاز. والأمر ينسحب على مجلس المحافظة والمكتب المختص، من خلال تفعيل دوره واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير صارمة لضبط عقارب عمل الجهات الرقابية، وبما يعيد الثقة للمواطن بمؤسساته كملاذ وحيد لا بديل عنها، في زحمة ما يعانيه من أزمات فاقت حدود التحمل.