دراساتصحيفة البعث

البعث.. والديمقراطية.. والمركزية

عندما نقول بأننا ننتمي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، لابد أن ننظر إلى أفق بعيد يخفي في طياته ماضياً عريقاً، ماضياً يحمل كفاحاً ويحمل انتصارات بعد ولادات عسيرة أنتجت طليعة خاضت معارك شرف بالسياسة والقومية والفداء، واعتبرت همّ الأمة العربية هو الهمّ الملزم للجميع، وكانت في واجهة المدافعين عن القضايا الوطنية والقومية وحمل الجزء الأكبر منها..

فكان “البعث” صاحب الفكر المتجد الديمقراطي، والذي يؤمن بأن ما يجوز للآخرين، من وجهة نظرنا، حق لنا، لذلك فإن الديمقراطية واجب علينا اتجاه الآخرين قبل ان تكون حقاً لنا، والفكر الديمقراطي هو الأساس والممارسات الديمقراطية هي البناء.

وعندما يكون الأساس ضعيفاً فإن البناء يكون مهدداً بالسقوط والتداعي عند أول هزة، دون أي سبب واضح وظاهر.

ولكن يبقى الفكر الديمقراطي واضحاً وجلياً عندما يتقاطع مع الفكر المؤسساتي، وهذا يعني أن امتلاك الفكر الديمقراطي يعزز العمل والفكر المؤسساتي، لذلك يجب علينا أن نميز بين الديمقراطية وممارسة الديمقراطية، مع الإشارة إلى أنهما مبنيتان على فكر ديمقراطي يستند إلى قبول الرأي الآخر، فعندما نكرس الديمقراطية ضمن المؤسسات الحزبية بالشكل الصحيح ينتج عنها ثقافة وعادات وتقاليد ذات أبعاد دقيقة وفكر عميق لتحقيق الهدف المنشود وتشكيل البيئة المثالية على جميع المستويات.

ولما كان الحزب دائماً هو حزب الطليعة، وهو يحمل ويتحمل الصعاب في سبيل إنجاز استحقاقاتٍ مهمة، فلنتذكر جميعاً عندما حلّ الحزب نفسه في سبيل تحقيق أحد أهم أهدافه، وهي الوحدة، عام 1958، لأنه يؤمن بأن تحقيق أهدافه يحتاج إلى تضحية.

وعلى مر عقود خلت، مارس الحزب رؤية وطنية عالية تمثلت بإنتاج جيل مؤمن بأن هذا البلد يحتاج إلى فكر مؤسساتي ديمقراطي، فعشنا حالة من الرخاء حوالي الأربعين عاماً، منذ حرب تشرين التحريرية وحتى بداية الحرب على سورية عام 2011، وكان التغني بأمجاد الماضي دون النظر إلى آليات التطوير التي يجب أن تكون مرافقة لعصر مريح كهذا، وخاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وتدمير البنى التحتية فيه، فكان من الواجب علينا الاستفادة من الدروس التي حصلت، ليتصدر الحزب، منذ عام 2011 وحتى تاريخه، كافة الاستحقاقات الدستورية، ويصدر الصورة الكافية للخارج بأن دستور البلاد هو الدستور الأوحد النابع من الشعب، ويجب تطبيق هذا الدستور في كافة مناحي الحياة، وفق رؤية الحزب.

فقامت على كاهله استحقاقات كبيرة على مساحات الوطن، فالجميع يعرف أنه لولا وجود هذا الحزب وتماسكه لما كانت هذه الاستحقاقات منجزة، على الرغم من الجراح التي أثخنته.. شهداء هنا.. وجرحى هناك، وعلى الرغم من انفكاك البعض عن جسم الحزب، ومن الكم الهائل الذي اعتلى منابر الحزب سابقاً لمصالح وغايات ضيقة، فكان قرار القيادة بتثبيت العضوية لتكون بمثابة فرز ميز بين “البعثي” و”الحزبي”.

واليوم عندما ننظر إلى آخر استحقاق لمجالس الإدارة المحلية، نشخص حالات عديدة تختلف من محافظة لأخرى، فكانت قوائم “الوحدة الوطنية” هي المسيطرة بنسب متفاوتة تتراوح من 90% إلى 100% على مستوى البلدة أو المحافظة.

وإن نظرنا، في المقلب الآخر، لتفاوت هذه النسبة وتحليل الواقع الحالي فإننا نقول ما يلي:

– إن عدم تطوير أدوات الحزب في مرحلة الرخاء له دور كبير، فأصبحنا نستخدم النخبة ولا نستخدم الطليعة.

– عدم تقاطع الديمقراطية مع العمل المؤسساتي في الحزب.

– انسلاخ وتفكك عدد لا يستهان به عن جسم الحزب يؤخذ في شقين: الشق الأول إيجابي لأنه عمل على تنظيف الحزب من غير البعثيين والشق الثاني سلبي نظراً للفراغ الذي تركه هؤلاء في أماكن سكنهم وعملهم بعدما كانوا من أهم المنتفعين من الحزب، ما سبب هذا الفراغ بدخول من سنحت له الفرصة فوراً.

– عدم إيصال القيادات المتسلسلة الصورة الحقيقية لمن سيتم اختيارهم ضمن قوائم “الوحدة الوطنية” وإنجرار البعض لاعتبارات ضيقة جداً.

– عدم قناعة الجهاز الحزبي في بعض الأماكن بخيارات القيادات المتسلسلة ما شكل ردة فعل اتجاه هذه القوائم.

– إقصاء العديد من الرفاق ذوي الشعبية الواسعة، إما من خلال خروجهم من الاستئناس الحزبي أو عدم اختيارهم ضمن قوائم “الوحدة الوطنية” في تلك البلدة أو القرية.

– إغلاق قوائم “الوحدة الوطنية” في بعض المناطق، وعدم وجود ممثلين حتى عن أحزاب الجبهة فيها، أفرغ الانتخابات من مضمونها، وأصبحت قرارات معلبة بعيدة عن المنافسة.

وأخيراً وفي المشهد العام، يجب أن نقرأ جيداً حالة الحزب في هذه الانتخابات. وبعيداً عما ذكرته سابقاً، فإني أرى إعادة التوازن بين الديمقراطية والمركزية من أهم عوامل ثبات الحزب وتماسك الجهاز واحترام قياداته فعندما تنقلب حالة الاستئناس الحزبي إلى حالة انتخاب تصبح حقاً من حقوقه المرشح والتي يطالب بها القيادات الأعلى لاختياره، وبالتالي الابتعاد عن المركزية وتصبح مرجعيته هي صندوق الانتخاب فقط، وقرار القيادة يصبح تحصيل حاصل.. والعكس صحيح.

لذلك وجب علينا إعادة التوازن بين الديمقراطية والمركزية إلى ما كانت عليه من خلال التطبيق الصحيح لمبدأ الديمقراطية المركزية.  

الرفيق د. وسام النصر الله

عضو قيادة فرع دمشق