جوليا سعيد: الرسم بالتراب يعلّم الأطفال التمسك بأرض الوطن
ملده شويكاني
التراب مساحة نعيش عليها مع تنوع الطوائف والأديان واختلاف الآراء، التراب امتزج بدماء الشهداء، وارتبط بسورية الحبيبة.. من هنا بدأ حديثي مع التشكيلية جوليا سعيد التي أجبرتها الحرب على ترك مدينتها الرقة والسكن في طرطوس، والابتعاد عن كل التفاصيل المكانية التي بقيت حيّة بذاكرتها. اختارت العمل بتقنية الرسم والتلوين بالتراب الذي جمعته من أرض الوطن ومزجته بمائه، ومن التراب اختارت عنوان معرضها الفردي الأول الذي أقيم في “صالة الرواق العربي”، ولاقى صدى إيجابياً، وكانت الانطباعات جيدة حوله لاسيما أن هذا المكان يتمتع بخصوصية كون “الرواق” ملتقى الفنانين التشكيليين والمثقفين والإعلاميين ومتذوقي الفنّ، كما شاركت في أيام التشكيل السوري بمعرض “على سلالم اللون كانت هناك آثار لخطواتي” مع مجموعة من الفنانات في المركز الثقافي العربي في كفرسوسة.
ما خصوصية تقنية الرسم بالتراب؟
أعتز بجميع الآراء والانطباعات الإيجابية التي أيّدت تقنية الرسم والتلوين بالتراب التي وظّفتها بلوحاتي وجعلتها مساري الفني، إذ مزجت تراب بلدي الذي جمعته من مختلف المحافظات السورية بمياه الوطن، كما رسمت من التراب العراقي بعد مزجه بالتراب السوري لوحة خاصة مهداة إلى شخص عراقي. وقد استخرجت تدرجات ألوان مختلفة دون أية صبغات من الأحمر والأبيض والبني والأصفر والأزرق المخضر الموجود على ضفاف نهر الخوابي، والتراب الأسود الموجود في السويداء وبانياس، وجسدت القرى والحارات الضيقة والتراث المادي والزي الشعبي، كما صوّرت الأنثى بكل حالاتها لأنها العطاء، والطبيعة التي تعكس جمال بلدي والأزهار والورود، إضافة إلى الخيول والإبل لأنها جزء من طبيعة المكان، وأفردتُ مساحة لأبطال الجيش العربي السوري.
تنوعت مواضيع لوحاتك الأقرب إلى الانطباعية فأية لوحة أقرب إليك؟
كل لوحاتي قريبة من ذاتي أمضيت معها أوقاتاً جميلة وأودعتها شيئاً من إحساسي، لتصل إلى المتلقي من خلال التكوين الذي شكّلته بفضاءات اللوحة، وسأنقل لوحات المعرض مع لوحات جديدة لتشارك بمعرض في محافظة أخرى أحبها جداً لن أعلن عنها الآن، وأنتظر الفرصة للمشاركة خارج القطر أيضاً، لأنقل عبْر لوحاتي عراقة بلدي وأصالتها من خلال التراث الذي جسدته في لوحاتي، وفي جانب آخر أظهر قوة المرأة السورية الجميلة المتميزة بالعزّة والأصالة، وبكل أدوارها تتصف بالشموخ والكبرياء والحضور والحنان، فمن واجبنا أن نصوّر المرأة ونعطيها جزءاً من حقها.
كيف جسدت الرقة؟
جسدتها بلوحة قريبة جداً من ذاتي رسمتها بتراب الرقة ورسمت فيها الزيّ الشعبي للرقة وسور بغداد، الذي يدل على حضارة هذه المدينة وتاريخها، والدلة والفنجان رمز الأصالة والكرم لهذه المدينة الجميلة التي أصابها الكثير من الخراب والدمار، وهذه اللوحة تختزل ذكرياتي بمحافظة الرقة التي عشت فيها خمسة وعشرين عاماً كانت أجمل أيام عمري.
لم تكتف بمشروعك بالرسم بالتراب وإنما نقلته للأطفال.. ماذا عن مشروعك معهم؟
التراب ملاذ كل طفل، وقد استخدمه للعب، فحولنا استخدامه نحو الفنّ التشكيلي، ليعبّر عن هواجسه وأحلامه عن مكنوناته ومشاعره، فيفرغ مشاعره مع التراب الموجود المتوافر في أي مكان وزمان، أدخلت معهم الكتابة بالتراب والطباعة بأوراق الشجر مع أشكال مختلفة من الزخارف، إضافة إلى تصنيع مجسمات من الطين أصبحت منحوتات جميلة، وكان نتاجهم جميلاً جداً.
أردتُ إدخال الأطفال بالمحراك الفني الجديد من خلال ورشات عمل جماعية في أغلب المراكز الثقافية في سورية، وأود الإشارة إلى أن تنمية الرسم بالتراب عند الطفل تساعد على تنمية ملكة الخيال لديه، وتساعد على تنميته بكل المجالات، وفي الوقت ذاته نعرّفه على أن الفن موهبة وجهد وتطوير.
ما هي مشروعاتك القادمة؟
الطموح لايتوقف عند حدّ معين، وبعد كل نجاح تنفتح أمام الإنسان آفاق جديدة لنتابع المسيرة، وأطمح بأن أنشر هذا الفن في كل بقعة على أرض سورية وأن يصل إلى كل طفل موهوب يمارس هواية الرسم ليستعين بالتراب، وبرأيي الإحساس بالرسم بالتراب لا يشبهه أي إحساس بأي لون آخر، وممكن نستخرج تدرجات لونية يصعب استخلاصها من أية مادة لونية أخرى سواء كانت زيتي أو أكليريك أو غواش أو غيرها.
وأتمنى مع الأطفال الذين درستهم أن تكون ضمن المناهج التدريسية للمواد الفنية حصة تدريسية لتعليم الرسم بالتراب، لنزرع بداخلهم الانتماء والتمسك بتراب الوطن.