مجلة البعث الأسبوعية

غرائب وعجائب الكتّاب في فنون كتاباتهم

جُمان بركات

يقول روبرت جوردن “الكاتب الذي ينتظر الإلهام أو المزاج المناسب للكتابة سوف يموت جوعاً، لأنه لن يكتب كثيراً”.

جملة تستحق الوقوف عندها، فليست الموهبة وحدها هي من تقدر على صناعة كاتب موهوب، بل تتشارك عدة عوامل لخلق كاتب ناجح، فالبعض يعتمد اعتماداً كلياً على موهبته الخالصة التي تسمح له بكتابة كتبٍ رائعة، والبعض الآخر يتكل على العمل الجادّ وحده وكتابة عملٍ تلو الآخر وصفحةٍ تلو الأخرى مؤمناً بأنّ هذا سيوصله يوماً إلى الكمال والاحترافية.

وكما أن الموهبة والحظ تلعب دورها في نجومية الكاتب، وعندما يحقّق هؤلاء الكتّابُ نجاحاً منقطع النظير يسعون مرة أخرى لتحقيقه، فيبدأون بتحديد واختيار الطّقوس التي يرون أنها ساعدتهم في الوصول لهذا المستوى الاحترافي، ومن ثم تتحول لعادات تصل حد الغرابة يواظب عليها الكتّابُ كُلْمَا كتبوا.

كتابة رواية أو كتاب قد يظن أنه من اليسير العبور إليها، وغالباً ما يتعرض البعض لسؤال كيف تكتب الرواية؟ كيف يختار الخيال الوقت المناسب لإظهار إبداعاته ويجعل من نفسه يرتكب تحفة تفاجئ أنت بها أيضاً؟ ولهذا السؤال ولأسئلة أخرى أفرد الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز الروائي الكولومبي صاحب المخزونات الرائعة من الأدب الساحر مجموعة مقالات وضعت في كتاب بعنوان “كيف تكتب الرواية”، هذا الكتاب على رغم روعة مقالاته وبساطتها وسحرها إلا أنها لا تجيب ولا تشفي غليل القارئ من معرفة الأدوات السحرية التي يستعملها الكاتب ولا الخيوط التي يعتمد عليها في شبك حبكة أدبية مشوقة تأخذك إلى عالم آخر.

يورد في المقدمة: “الشيء الوحيد الذي رغبت عمله في حياتي هو رواية القصص، نصف الحكايات التي بدأت بتكوينها سمعتها من أمي، في اليوم الذي اكتشفت فيه أن الشيء الوحيد الذي يهمني حقاً هو رواية القصص، عقدت العزم على عمل كل ما هو ضروري لإشباع هذه الرغبة، ولن أسمح لأي أحد أو لأي شيء بأن يجبرني على التفرغ لأمر أخر، لا يمكن أن تتصوروا مقدار الخدع والمراوغات والحيل والأكاذيب التي كان علي أن أمارسها خلال سنوات دراستي لكي أتمكن من أن أًصير كاتباً، المهارات والأساليب تكتسب من خلال التجربة وعدم الاستسلام للتنويم المغناطيسي والانتباه إلى كل التفاصيل فحتى الحماقات التي قد تخطر لأحدنا يجب أخذها بالحسبان لأنها في بعض الأحيان وبتحوير بسيط تفتح الطريق إلى حلول شديدة الإلهام”.

“فن الرواية”

أما الكاتب كولن ولسون في كتابه “فن الرواية” يعرفنا إلى أساليب الكتاب المعروفين في محاولة لإيجاد قواعد للكتابة فهمنغواي يرى أن الكتابة تبدو سهلة إلا أنها في الواقع من أشق الأعمال في العالم، يرى كولن أن مشكلة الكاتب في أنه غير قادر أن يكون “سقراط نفسه” وأن يسأل نفسه الأسئلة المناسبة وهنا تكمن “الحيلة” في معرفة طرح السؤال المناسب، ويرى ولسون أن الابداع ليس سراً مقدساً إنه اساساً موهبة حل المشكلات  ويطرح على نفسه أسئلة عدة هل من الممكن تدريس منهج عن الكتابة الإبداعية، عندما يجلس كاتب محدقاً في صفحة بيضاء أمامه فإن ذلك لا يعني أن ليس لديه ما يقوله المشكلة على العكس من ذلك عادة،  فهو لديه من الأمور الكثيرة الجاهزة محتشدة في أعماقه وليس هناك إلا منفذ واحد ضيق لخروجها ألا وهو رأس القلم.

الطموح

خالد حسيني يجيب في إحدى المقابلات التي أجريت معه كيف يتخيل الكتاب قيل أن يكتبه: “لا أخطط على الإطلاق، لا أجد ذلك مفيداً، ولا أحب الطريقة التي تضعني في قالب، أحب عنصر المفاجأة والعفوية، أترك القصة تجد طريقها الخاص، لهذا السبب أجد أن كتابة المسودة الأولى صعب جداً وشاق وغالباً ما تكون مخيبة للآمال أحب إعادة الكتابة فالمسودة الأولى هي في الحقيقة مجرد رسم تخطيطي أضيف عليه طبقة وبُعد وظل ولون. ويرى حسيني أن أهم نصيحة يقدمها للمؤلف الطموح “عبارة” قد تبدو مبتذلة برأيه إلا أنها أساسية ألا وهي أن تكتب، لقد قابلت الكثير من الناس الذين يقولون إن فكرة الكتاب في رأسهم ولكنهم لم يكتبوا كلمة واحدة، لكي تكون كاتباً عليك أن تكتب كل يوم وعليك أن تكتب حتى وإن شعرت بأنك لا تحب ذلك، والأهم اكتب لجمهور واحد هو “أنت” اكتب القصة التي ترغب أن تحكيها وتقرأها، من المستحيل أن تعرف ما يريده الآخرون، لذلك وحتى لا تضيع الوقت في محاولة التخمين، اكتب فقط عن الأشياء التي تحدث تحت جلدك وتجعلك مستيقظاً في الليل، كذلك يجب أن تقرأ كثيراً وباهتمام، اقرأ عن الأشياء التي تريد كتابتها، اقرأ عن الأشياء التي لا تريد كتابتها إطلاقاً، تعلم شيئاً من كل كاتب تقرأ له.

سحر التكرار

في مقابلة له عام 2004 مع مجلة “باريس ريفيو”، كشف الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، الذي يعتبره البعض أحد أعظم الروائيين في وقتنا الحالي، أن روتينه اليومي وعاداته لتحقيق النجاح تعتمد في أساسها على التكرار.

وأوضح: “عندما أكون في وضع الكتابة لرواية أستيقظ في الرابعة صباحاً وأعمل لمدة تتراوح من خمس إلى ست ساعات. في فترة ما بعد الظهر، أجري لمسافة عشرة كيلومترات أو أسبح لمسافة 1500 متر، ثم أقرأ قليلاً وأستمع إلى بعض الموسيقى، ومساءً أذهب إلى الفراش في التاسعة”.

“أحافظ على هذا الروتين كل يوم دون تغيير، يصبح التكرار نفسه هو الشيء المهم لي ككاتب؛ إنه شكل من أشكال السحر، وهي تساعدني في أن أصل إلى حالة ذهنية أعمق”، ويرى أن التمسك بهذا التكرار لفترة طويلة يتطلب قدراً كبيراً من القوة العقلية والبدنية. لذلك فإن كتابة رواية طويلة هي بمثابة تدريب على البقاء، مؤكداً أن “القوة البدنية ضرورية مثل الحساسية الفنية والموهبة”.

نسخ

منذ أن كان كازو إيشيجيرو مراهقاً وحتى أصبح في منتصف العشرينيات حاول أن يجعل من نفسه كاتب أغنيات دون أن يصادفه النجاح، وكان ذلك السعي المبكر هو الذي ساعده على تكوين أسلوبه السردي الموجز المعتمد على ضمير المتكلم. إيشيجيرو الحائز على جائزة نوبل للعام 2017 يقضي سنتين في البحث من أجل كتابة رواية ثم يكتبها في سنة وقبل أن يبدأ في تسويد المسودة الأولى يعد ملفات من الملاحظات والخرائط التي لا تكتفي بعرض الحبكة الأساسية بل وملامح السرد الدقيقة وعواطف الشخصية وذكرياتها يجمع ملاحظاته ويكتب مسودة أولى ويراجعها بالقلم الرصاص، ثم يطبع النسخة المنقحة على الكمبيوتر وفي هذه النسخة الرقمية ينقح مرة أخرى، وفي هذه المرة يحذف كتلاً ضخمة قد تصل ربما إلى مائة صفحة.

القهوة

دعم الكاتب الفرنسي بلزاك كتابته الإبداعية باستهلاك قرابة الخمسين فنجان من القهوة في اليوم وبعض الدراسات تقول إنه بالكاد كان ينام حين كان يكتب أعظم إبداعاته “الملهاة الإنسانية”، إضافة له كان فولتير أيضاً مدمناً للقهوة فكان معروفاً بشربه نحو أربعين فنجان من القهوة في اليوم..

بعض الكتاب يجهز الاستلقاء مخيلتهم وتركيزهم للكتابة فهم يجدون الإلهام والكلمات المناسبة في سريرهم المريح من هؤلاء الكتاب الذين مارسوا الاستلقاء عند الكتابة مارك توين، جورج أورويل، أما الكاتب والمسرحي الأمريكي ترومان كابوتي عرف بـكونه كاتب أفقي تماماً لأنه لا يستطيع أن يفكر ويكتب إلا إذا كان مستلقياً. على عكس النقطة السابقة، الكتابة رأسياً ليست غريبة على بعض الكتاب المشهورين مثل همنغواي، تشارلز ديكينز، فيرجينيا وولف، هؤلاء المبدعون جاءهم الإلهام في كتابة رواياتهم أثناء وقوفهم أمام المكتب.

العلاج المقلوب

الروائي الأميركي دان بروان صاحب “شيفرة دافنشي” و”الجحيم” كان يخضع أحياناً لـ “العلاج بالمقلوب”، أي أن يعلّق نفسه المقلوب كي يسترخي ويركز أفكاره، ويقول إن هذه الطريقة تلهمه وتساعده على التركيز في الكتاب.