مجلة البعث الأسبوعية

سيميائيات الكمين المدسوس وأمّيّات البصر الممسوس.. الشائعات صورة أخرى مفاهيمية يتم تصنيعها في المخابر والمختبرات التلويثية ذاتها

البعث الأسبوعية: غالية خوجة

كيف نوظف الصورة في مجالات الحقيقة والحياة والمصداقية والجمالية والأخلاقية والإنسانية؟ وكيف أصبحت الصورة بعيدة عن كل ذلك وأكثر، لتتحول سلاحاً معادياً تخريبياً في زمن تدمير الأوطان؟ وكيف للوعي الفردي والجمعي أن يستقصي الصورة كسُمّ في الدسم؟

أمّا كيف تصفو الحياة وصورها واستمراريتها؟

فيجيبنا طاليس: “إذا كانت الحياة قد جاءت من الأفكار فلننقّي الأفكار كي تصفو الحياة”، بينما تؤكد الحكمة الصينية: “إذا أردت أن تعيش لسنة فازرع فكرة، وإذا أردت أن تعيش لعقد فازرع شجرة، وإذا أردت أن تعيش مدى الحياة فازرع الثقافة”.

إذن، دعونا نحاور الصورة بكافة أشكالها وتشكّلاتها، ونتحاور معها بعناصرها ومكوناتها وعواملها ومفرداتها ووظائفها وأهدافها وغاياتها، لنساهم في قبولها، لكن، بعد الاستقصاء، لنستكشفها وننقضها بالحقائق ونتهمها ونحاكمها ونعاقبها وصانعيها ومصادرها كلما كانت زائفة ومزورة ومدمِّرة، وهذا ما فعله الإعلام الوطني السوري منذ الصور العملياتية الأولى للحرب الظالمة على سوريتنا الحبيبة فاستقصى وكشف سيميائيات الصور المظلمة والتدميرية ومصادرها وأهدافها وأنفاقها المتشعبة.

أركيولوجية الصورة نصوص ولغةُ رموز

قيل: “الصورة بألف كلمة”، وأقول: لكنها لا تغني عن المصداقية كماهيّة جوهرية، ولا عن الكلمة الصادقة الموثوقة كصورة نصية ودلالية ونسقية وفنية للصورة، ونورها الدلالات المتشابكة كبنية سطحية ظاهرة وبنية عميقة باطنة.

ولأهمية الصورة، وبمختلف مفاهيمها وحضوراتها، خصوصاً، في هذا الزمن التكنولوجي التدميري، الفاقد للقيم والوعي المثقف، الزمن الذي يغلب فيه العقل السالب المنفعل السلبي والمستَلب والاستهلاكي، على العقل الموجب الفاعل الإيجابي والمنتج، لا بد من مناقشة العديد من القضايا والأسئلة المتعلقة بالصورة وقبائلها وصانعيها ومروجيها في أغلب الوسائل الظلامية العالمية والفردية المقروءة والالكترونية والشاشات المرئية المختلفة، والتساؤل عن دقة معلوماتها وأهدافها ومصدرها، وهل يحوز ثقة مطلقة حتى لو كان لوكالات عالمية، أو لمصوري بعض وسائل الإعلام ذاتها مع اختلاف منهجيتها وأيديولوجيتها؟

وماذا وراء سيناريو الصورة المعادية (الثابتة) و(المتحركة) و (المنطوقة) و(المسموعة)، مثل الفيلم، الفيديو كليب، الشريط الإعلاني، البودكاست، وما يتفرع من تقنيات خداعية جديدة مثل التزييف العميق “ديب فيك ـ Deepfake”؟

مع ملاحظة أن أشخاص الصورة الهادفة للتدمير هم شبكة عنكبوتية أخرى واقعية وافتراضية من المرتزقة الإداريين لهذا الوهم والفنيين والخبراء التحليليين في مختلف الاختصاصات وتشعباتها السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والإعلامية، ومن الممثلين الموظفين لمرة واحدة، أو المكررين في سيناريوهات صور تدميرية أخرى مع تمويهات سينوغرافيّة لديكورات المكان والثياب والأدوار والأحداث والزمان والموسيقا والأصوات والصمت والضوء والظل والألوان والمؤثرات والحقيقة واقعياً وافتراضياً، تبعاً للهدف التخريبي المقصود من الأحداث السياسية والثقافية والفنية والاقتصادية والحربية وغيرها، تلك التي يتم التحضير لها لنشرها وإشاعتها في الزمن المناسب الذي يخدم أهدافهم وأجندتهم السوداء التي أصبحت، بدورها، واضحة المعالم والملامح والمصادر والوسائط والوسائل المغرضة لتمكّن حضورها الزائف من خلال ما يظنونه دبلوماسية الصورة، واستعطاف الصورة، وما نوقنه من نخاسة الصورة، وتكملها بمرتزقة يتداولونها وينشرونها ويهولونها لتتسرب إلى الحالة النفسية الذاتية والاجتماعية، وتالياً، تبدأ في الانتشار من خلال أغلبية المستهدَفين الذين لا يدققون الصورة استقصائياً أثناء مشاهدتها وقبل المساهمة في نشرها، أو حتى بعد نشرها، ومنهم المدسوسون أيضاً الذين لهم علاقة بالمخفي من الأيديولوجيات، تبعاً لمصدر صانعيهم وأهدافهم ومخططاتهم.

تتداخل العديد من الأفكار والدلالات حول الثيمتين الموضوعية والفنية لمحورنا (الصورة)، باعتبارها لغة وأبجدية معلومات ورموزاً بإمكاننا قراءتها سيميائياً، وفلسفياً، وتفكيكياً، وتحليلياً كنص وخطاب، وتركيبها من جديد، لمعرفة ما وراءها من رسائل مشفرة، وغايات مضمرة، وأهداف بعيدة وقريبة، وبذلك، نكون قد ساهمنا في استشراف المستقبل المخفي لمتحركات هذه الصورة في اللحظة الراهنة واللحظة القادمة، لنوقف مفعولها السيئ، وكوابيسها الآتية، وننتشل ألغامها ومتفجراتها، قبل الاشتعال، مع إيضاح حقيقتها وتفاصيلها، وربما تُدخلنا الصورة ومحتملاتها في متاهات المصطلحات أيضاً، لا سيما المستوردة منها، مثل “خارطة الطريق” التي يراد بها ما يراد منها، فما تخفيه وتبطنه أكثر مما تظهره، لا سيما وأن من أطلقتها كانت سبباً هاماً في التفتيت والدمار مع من ساهم في “الجحيم العربي”.

وضمن هذا المسار لا نريد خارطة طريق مستوردة، بل فضاء ننجزه وبإيجابية بمفردنا كعرب، فما يناسبنا في العالم العربي هو الحياة لا الدمار، ولذلك كانت الصورة كإشاعة كبرى، وشائعة عظمى، وقنبلة ذرية معاصرة دون ديناميت لأنها المتفجرات ذاتها، وقوتها السلبية عادلت قنبلة “هيروشيما”، فيما لو قمنا بقياسها، وقياس ردتها الانعكاسية، وقياس نتائجها السلبية على الأفراد والمجتمعات والدول والأوطان والمستقبل العالمي، حتى تلك الدول التي تضافرت من أجل الاستمرار في سياسة الأرض المحروقة، وفرّقْ تسد، ونظرية سد الفراغ بالإرهاب والظلمات، وذلك بمختلف أساليبها الفوتوغرافية، المرئية، والمسموعة، لأن للكلمة صورتها في ذهن ومخيلة المتلقي، إضافة للشائعات كصورة بمفهوم ما.

ولا يفوتني أن أشير إلى مصداقية صورة الطفلة الفيتنامية “كيم فوك” التي التقطها المصور “نيك أوت” وهي تهرول عارية وتصرخ بعد أن أحرقت نيران قنابل النابالم المحرمة دولياً جسدها الصغير، فكانت هذه الصورة ـ التي نالت جائزة “بوليتزر” في التصوير عام 1973 ـ من أسباب إنهاء الحرب الأميركية الظالمة على فيتنام، وفق آراء كثيرة، لأنها عكست الجريمة الكبرى لأمريكا على فيتنام، والسؤال الهام هنا:

لماذا لم تؤثر في إنسانية العالم صور ذبح “داعش” ومموليها لأطفالنا السوريين وجنودنا البواسل وعلمائنا المميزين ونسائنا البطلات وبحاثتنا المختلفين ومواقعنا الأثرية المحلية العالمية، لم تؤثر في إنسانية هذا العالم الموقن بأننا على حق وأن الصور التي يبثها إعلامنا الوطني العربي السوري هي الصادقة والموثوقة والوثائقية والواقعية والحقيقية؟

دبلوماسية الصورة نفاق لأنفاق المعلومة

لم يعد هناك فرق بين صورة الإعلان والإعلام كصورة مراد بها ومنها إنجاز الحروب والتخريب والدمار، لأن الصورة وظفت من قبل صانعيها لتكون إعلاناتٍ تدميرية، وصارت منصتها غرفاً سوداء ومغلقة، أو “استوديوهات” تصوير، أو منطقة نائية في دولة ما، في مكان ما، لأن بناءها وحبكتها وإخراجها وعناصرها لا تبنى على الواقع، بل على الغايات الأساسية الواضحة والمضمَرة  من إنتاجها وانتشارها، وهي – أولاً وآخراً وما بينهما – تزييف وتزوير الحقائق وتخريب الواقع والتفنّن في الشر والشيطنة والإيذاء، والمساهمة في رفع الخط البياني التدميري لأقصاه الممكن واللا ممكن، المتوقع واللا متوقع، وتوظيف كافة الخدع الوهمية الإيهامية المستخدمة في البصريات والشاشات، ومن الممكن أن تكون مكانية الصورة سيارة، أو جدراناً  مدمرة، أو لوحات مرسومة على الجدران، أو صوراً مثبتة على الجدران وفي أي مكان، في غرفة ما، بيت ما، يجوبه ممثلون مرتزقة يؤدون الأدوار، ويقبضون الثمن، وينتظرون السيناريو المستعجل التالي لينفذوا أدوارهم من جديد، معتمدين على مأجورين، مرتزقة، متطفلين على الحياة والأوطان والبلاد والعباد، من كافة الجنسيات والأجناس والأديان، لأن النفاق والتدمير والزيف والخيانة والفساد والإرهاب بلا دين ولا هوية ولا وطن ولا جنسية، يطيعون الأوامر برسالة مشفرة، أو صورة رمزية، على هواتفهم النقالة وغرفهم السوداء كضمائرهم المعدومة، ليتجمهروا ويتابعوا خطة طريقهم المتشعبة، مستغلين، للأسف، طيبة وسذاجة وجهل الغالبية من الناس التي انساقت وراء هذه الخطط التدميرية وصورها وتصوراتها الشتى، فكانت ضحايا لعقلها السالب، المسلوب، المفتقد للوعي المضيء، والتفكير الإيجابي، والرؤية المستقبلية لبناء الأوطان من خلال المحافظة على الوطن كمصلحة عليا عامة، لا تفضيل المصلحة الدنيا الخاصة.

لكن، ولأننا أمة غير احترازية، و”أمة الفوات” التي تنتبه بعد فوات الأوان، تنتظر وقوع الحدث لتفكر بالإجراءات، ولأننا لا نوظف الشك المشروع للوصول إلى اليقين، بدأنا، وبعد كل هذا الجحيم العربي، بتفعيل (خاصية التحري) و(أيقونة التقصي)، من أجل مصافحة الحقيقة التي لم تكن إلاّ أمامنا، لكن الغالبية لم تكن تراها، أو لا تريد أن تراها.

متاهات الصورة المذبح وأضحيتها الإنسان والأوطان

وكان لا بد من تأهيل مسبق لهذه العقول السالبة ومنها الشابة والاجتماعية وغيرها، لتكون قادرة على الاستبصار، والفصل بين الزائف والمخادع والخادع والتدميري، فلا تكون من أتباع الصورة المذبحية الزائفة المشهدية التمثيلية التي جعلت من يصدقها ضحية وأضحية في آنٍ معاً، وجعلت من الأوطان ضحية وأضحية أيضاً.

وللقارئ ملاحظة ذلك من خلال الكثير من “الفبركات” الصورية والتصويرية التي ساهمت في الخراب، مثل تلك الصورة الاستعطافية لطفل سوريّ ناج من الدمار عمل عليها وصنّعها الإعلام المعادي، بينما الحقيقة أكدت أنه استُغل من قبل أهله والأجندة السوداء لتمثيل هذه اللقطة وهذا الفيلم وهذا ما كشفه الإعلام الوطني السوري.

واستكمالاً لـ(الأجندة السوداء)، قام المغرضون بدس هذه الصورة وصور أخرى مشابهة مصنّعة في عملية رسم ليكمل حلقة الزيف كمعرض، كما وجّهوا مرتزقة آخرين ليكتبوا عنها بمشاعر وجدانية وهم طبعاً بلا وجدان، والطامة الكبرى أن هناك من روج لهذه الرسومات والكتابات وامتدحها وشاركها على المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مطبّلاً ومزمّراً بحجة العاطفة الإنسانية تلك التي لا يعرفها بكل تأكيد، وإلاّ لما ساهم في تدمير البشر والحجر ثم استعطف عليهم، فانطبق عليه المثل: “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”، وبإمكاننا تكملة المثل و”يبكي على قبره ويتسول العواطف والمال على جثته”!

والسؤال المقابل لهذه الحالات: أين أنتم أيها المروجون للظلمات بحسن نية أو سوء نية مما حدث في سورية؟ ومما يحدث من جرائم تحدث في فلسطين العربية؟ ولماذا لم يتم التعامل والتفاعل معها مثلما تعاملتم بهذه الكثافة الإجرامية الالكترونية وسواها مع إشاعة وإشاعات وشائعات الخراب والزيف التدميري الذي أصاب الفرد والمجتمع والأوطان والبنيات الحياتية الأساسية والتحتية والثقافية والعلمية والفنية والفكرية؟

وبالمقابل، إلى متى سنظل كعرب معتمدين على ما تقدمه الوكالات الأجنبية لنا حتى فيما يخص واقعنا العربي العام والخاص، وربما ما يخص شارعاً من شوارع وطننا العربي، وكأننا نثق ثقة مطلقة بالآخر صورةً وكلمة، متجاهلين أهميتنا؟ وكيف لنا ألاّ نقبل أي خبر أو صورة من هذا الآخر إذا لم نقتنع بأن ما يقدمه لنا دقيقاً وصحيحاً، من خلال استقصاءات واجبة علينا لأجلنا، ولأجل الحقيقة، ولأجل أن نعلمه بأننا لسنا سوقاً رائجة لخداعه من خلال دبلوماسية الصورة ونفاق وأنفاق المعلومة التي تدسّ السم في الدسم، لسنا “سوق شائعات وخداعات ونفاق وتخريب وخرابات”، “لسنا سوق نخاسة إعلامية”، ولا “حظيرة” لإعلاناته الاستهلاكية، ولا لتقنياته التدميرية، ولا للانبهار بما يقدمه مدعياً أنه توثيقي بكل ما يتعلق بالصورة ومفاهيمها ووسائلها وحضوراتها، من صور ومشاهد وأفلام وحوارات وسواها، يدّعي أنها “توثيقية”، ويسرب لنا من خلالها ما يسميه (حالات إنسانية) ملؤها السطحية المحقونة ببوتكس العواطف الجياشة المزيفة، بينما باطنها الجوهري فهو توصيل رسالة تدميرية تبدأ من العقول والضمائر والنفوس والأرواح والأخلاق، ولا أعلم كم إنساناً تساءل:

لماذا تدمرون أوطاننا ثم تجعلون منا “لاجئين” مرحّباً بهم في “أحضانكم الدراكولية”، ثم ترسلون لنا المساعدات وتجعلوننا مادة إعلامية مصورة مزيفة تثير الشفقة، وأحداثاً محورية استهلاكية، بمفهوم تصويري ما، وتصوّريّ ما، وتتباكون علينا كصور في صورة؟

وبالمقابل، نسأل الذين انساقوا وانفعلوا وتفاعلوا ضمن هذا السياق التدميري، رغم أن وعيهم سالب، لكنه كان وعياً إيجابياً في المشاركة والتشاركية التدميرية، نسألهم: لماذا ساهمتم في تدمير البلاد والعباد؟

الجواب بلا شك، هو حلقة من حلقات مسلسل “الدينامو” و”الخريف العربي” و”الجحيم العربي”، المصاب بـ”الزهايمر السياسي المادي الجشع”، والذي من أحد أهدافه القريبة والبعيدة تحطيم ونسيان وتفتيت الماضي والتاريخ والحضارة العربية، وتحطيم ونسيان وتفتيت المستقبل وما تبقى من الحضارة العربية.

ولا أعلم كم إنساناً أجاب: أين وعيكم بتاريخكم وعلومكم وحضارتكم وراهنكم؟ ولماذا لا تفعّلون عقولكم وضمائركم للمحافظة على أوطانكم ومجتمعاتكم وأنفسكم؟ وهذا أضعف الإيمان، لأن السؤال التالي: أين أنتم من التطوير والتطور والتكامل؟ ولماذا لا توظفون طاقاتكم بما يخدمكم إيجابياً فتبنون ولا تهدمون؟ وتثقون بأنفسكم لا بالشائعات مهما اختلفت وسائلها وبهرجتها وماكياجاتها وأغراضها وادعاءاتها الإنسانية؟

الصورة في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع والتكنولوجي الافتراضي، تغزو العالم، ولا فرق بين الأمكنة الجغرافية وحدودها لأن وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً “السوشيل ميديا” لا تعترف بحدود ، بينما في وطننا العربي ما زالت الحدود، وما زال الأعداء يعملون على تقسيم هذه الحدود إلى حدود جديدة متكاثرة مقسّمة منقسمة ـوهذا ما استغلته الجهات المعادية من خلال وسائلها الرسمية، وغير الرسمية، كما استغلها المرتزقة جماعات وفرادى وجهات لإيصال “الرسالة التدميرية” وتفعيلها في المجال الحيوي النشط، وبطريقة مستدامة، لتكون سارية المفعول عبْر الأزمنة والأمكنة، ولم يقف في وجهها بوعي سوى القليل من الدول، والقلة من الأفراد، وهذا القليل، وهذه القلة، أصابته، وأصابتها، شائعات المغرضين الموجَّهين، من أجل القضاء على آخر معاقل المصداقية ذات الصالح العام لا الخاص، مما يجعل من استبعاد “القليل والقلة” بكافة الوسائل الممكنة واللا ممكنة عن الوجود والمشهد والمكان المناسب، مطلباً رئيسياً ومحورياً، كي لا يدحض “خارطة الطريق”، تماماً، كما يحدث مع سورية من تدمير واستنزاف وحصارات لأنها تمحو بالحقيقة كل هذا الزيف.

وهنا، نلاحظ كيف أن الشائعات صورة أخرى مفاهيمية، ذهنية، كابوسية، فبركية، يتم تصنيعها في المخابر والمختبرات التلويثية ذاتها، بالدهاء ذاته، وبالوظيفة التوصيلية والتواصلية والاتصالية ذاتها، والوسائل ذاتها، والغايات ذاتها، من أجل متابعة الإقدام على مزيد من التخريب الوجداني والضمائري والاقتصادي والوطني والحياتي والقيمي والأخلاقي والإنساني، والمضحك المبكي أن كل ذلك وأكثر يحدث تشابكياً وراء كواليس منصة ما يسمونه “الديمقراطية” و”الإنسانية” ظلماً وعدواناً.

أنت حلقة في “دومينو” كشف الحقائق والشك حتى اليقين

بعد جولة متسارعة في الأحداث وصورها الذهنية والواقعية والافتراضية، لا بد وأن القارئ العربي، والمشاهد العربي، والمتلقي العربي، سينتهج أسلوبية الشك حتى اليقين، معتمداً على ضميره الأخلاقي كبوصلة ذاتية قبل أن يتضافر مع الزيف المدمر للنفوس والأرواح والشخوص والأفراد والشخصيات والمجتمع والرموز، والعباد والبلاد، وسيكون حلقة ليس في “الدومينو الجحيمي”، بل في “دومينو كشف الحقائق”، لأنه لم يعد ذاك الإنسان المستهلك لكل ما يقدم له، بل أصبح أكثر وعياً، وتحكيماً لأخلاقه العربية الإنسانية الحضارية.

وضمن هذا المجال النوراني، لا بد من الابتعاد عن “الهياج الجماعي” كما يسميه علم النفس والمنطق، والانزياح عن الأباطيل، من خلال الانزياح إلى البحث عن واقعية الصورة بأنواعها المختلفة، ومصداقيتها وأحداثها وعناصرها وعواملها وأهدافها وخلفيتها والقائمين عليها، كي لا يكون تأثيرها سلبياً على الناس سواء على المدى القصير أو الطويل، ورغم الوصول المتأخر، إلاّ أن بعض أصوات الحقيقة وصلت إلى المنابع الأساسية، وبدأت العمل على تجفيف منابع النفاق والتضليل، ومنها من أوصل صوته إلى محركات البحث، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي دعمت هذا الجحيم المصور، ثم، وربما، لأن اللهب اقترب منها، بدأت بالعمل على سد الثغرات، وإنشاء خاصيات للتحقق من الصور بمختلف فئاتها، ومعرفة الأصل، وإخفاض عدد المشاركين في نشر صورة ما، والبحث عن الحسابات المزيفة لإلغائها، ومحاولة تطوير ما يتعلق بالأمن والأمان.

مشروع عربي وطني لمكافحة التزييف التدميري

ولكن، هذا لا يغني عن وكالة أنباء عربية تجمعنا، كنوع من أنواع الاتحاد والوحدة، ومراجعة البنية الإعلامية والقائمين عليها والعاملين فيها والبنية الاجتماعية بكافة مستوياتها، فلا غرابة في ما إذا توقعنا أن أيّ إنسان بسيط قد يقوم بتسجيل وتصوير ما يحدث في المنشأة التي يعمل فيها، أو أي مكان آخر، وينشره بحسن أو سوء نية، ولا نستبعد استغلال غالبية الناس البسطاء، والسيطرة عليهم، كما لا نستبعد أن يندس بعض المرتزقة ممن يسمون المصورين والمنتجين والمثقفين والمسرحيين والصحافيين والفنانين والمخرجين والكتّاب والإعلاميين في معمعة الجحيم، وأغلب المتعاملين مع “السوشيال ميديا” ممن هبّ ودبّ، لذلك، لا بد من عوامل التعرية والتنقية التي تطال كافة فئات المجتمع إلى أن يتضح الخيط الأبيض من الفجر.

والمؤسف حدّ الفجيعة، والذي أثبتته الحرب الإرهابية على سورية، أن الصورة الصادقة الإيجابية بعيدة كسرعة الضوء، تصل إلى القمر كعرجون قديم، ونادراً ما تعبر مدار الأرض، وهذا مما عاناه الإعلام الوطني السوري من حرب وحصار رغم أنه كان يبثّ الصورة الحقيقية لأن أهل سورية أدرى بشعابها، لذلك، لن تبقى “الصورة بألف كلمة”، لأن الكلمة الواحدة المشعة بالصدق والقيم والثقة ستظل صورة الحقيقة.

وبالمقابل، كانت الصورة الكاذبة التخريبية والتدميرية والسلبية بكافة هيئاتها وأشكالها وأساليبها قريبة كسرعة وهول الظلمات بين جميع الأميين بصرياً لكنها كالزبد تذهب جفاء، رغم أنها تعبر من الأقمار الاصطناعية وشبكاتها الالكترونية سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو محبوكة بفنون تخريبية أخرى.

أمّا الأغرب فهو التفاعل السريع لهذا الزبد من “خلال” كائنات ارتزاقية مصنّعة تمّ ضخّها في المشهد المسمّى ثقافياً وفنياً وإعلامياً! ليؤكد هذا “المشهد المحبوك زيفاً متعمداً”، وبكل ثقة، أميّته الإنسانية أيضاً.

وهذا يدفعنا لمزيد من التساؤلات، منها: ما العلاقة بين الصورة والمثقف؟ الصورة والكاتب؟ الصورة والفنان؟ الصورة والإعلامي؟ الصورة والمواطن؟

وهذا ما أجاب عنه بواقعية يقينية وطننا العربي السوري – قيادة وجيشاً وشهداء وجرحى وطن وشعباً- وطننا الذي لم ينزح عن ثقافته الحضارية وهويته العربية وأخلاقياتها وقيمها وحقوقها، وفسيفسائيته الاجتماعية، بل تمسك أكثر بجذور وطنه وتشبث بماضيه وحاضره ومستقبله ليكون صورته الجوهرية الحقيقية لأن مرجعها البصيرة لا البصر، والضمير مهما رماهُ الشرّ والشرر.

لذلك، لا بد من مشروع عربي مشترك لمكافحة التزييف التدميري بكافة وسائله، ومن قانون عربي موحد للجرائم الالكترونية، خصوصاً، تلك التي تمسّ بالوطن.