في معركة الثقافة والمعرفة.. انحسار واضح في القراءة أمام المعلومة السريعة ودردشات الفيسبوك
دمشق – البعث الأسبوعية
معرض الكتاب الذي أقيم مؤخراً في مكتبة الأسد أعاد الكثير من التساؤلات عن الواقع المعرفي والثقافي داخل المجتمع وخاصة لجهة الإقبال الضعيف على شراء الكتب واقتناء هذه الكنوز المعرفية وثانياً من ناحية قلة الكتب التي تم عرضها وانخفاض عدد دور النشر المشاركة وبشكل يؤكد أن هجرة الناس للقراءة باتت أكثر انتشاراً واتساعاً في المجتمع وهذا مايدفع بالكثير من التساؤلات إلى ساحة البحث من جديد .. لماذا لا نقرأ؟ ماذا نقرأ؟ هل أصبح الانترنت والفيسبوك بديلا للكتاب الورقي؟ لماذا أصبح شبابنا حبيس المقررات الدراسية فقط؟ ولماذا ينظر الطالب السوري للقراءة كحالة مؤقتة تنتهي بانتهاء فترة الامتحانات؟تساؤلات عديدة حاولنا كما حاول غيرنا ايجاد اجابات لها فماذا كانت الحصيلة ؟.
30 كتاب نصيب كل مليون عربي من الكتب
من خلال جولة عالمية عبر المواقع الالكترونية الخاصة بالابحاث والدراسات اهتدينا إلى ماتشير الإحصائيات إليه من أن الدول العربية مجتمعة تنتج فقط واحد بالمائة من معدل الإنتاج العالمي للكتاب وان ثلاثمائة مليون مواطن عربي :ستون بالمائة منهم أميون وعشرون بالمائة لا يقرؤون أبدا وخمس عشرة بالمائة يقرؤون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب ونسبة خمسة بالمائة فقط هم المواظبون على القراءة ،بل تشير إلى أن كل ثلاثمائة ألف عربي يقرؤون كتابا واحدا.وتشير بعض التقارير بأن الألمان ينفقون قرابة 16 مليار يورو على شراء الكتب سنويا وانه لا يتجاوز معدل قراءة الفرد العربي من الكتاب ربع صفحة سنويا بينما تصل الى 11 كتابا للفرد الأمريكي و35 للأوربي ،وفي تقرير صادر لمنظمة اليونسكو إن معدل نشر الكتاب في العالم العربي لا يتجاوز ما نسبته 7% وان نصيب كل مليون عربي من الكتب لا يبلغ 30 كتابا في حين أن هناك 584 كتابا لكل مليون أوربي،وعدد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي يتراوح ما بين 1000 و3000 نسخة في أعلى معدلاتها. بينما تصل الى عشرات الآلاف في أمريكا وأوربا.وآخر إحصائية صادرة عن مؤسسة الفكر العربي في بيروت تقول إنها راقبت عدد كلمات البحث عند العرب لمدة شهر فكانت النتيجة أن البحث عن مشاهدة المواقع الإباحية جاء في المرتبة الأولى من حيث الاهتمامات ثم البحث عن مواقع الطبخ تلاه البحث عن مواقع التربية والتاريخ ،فهل يعني هذا أن الحاجات الأساسية للإنسان العربي مشبعة.
لم لا يقرأ الشباب السوري؟!
نتحدث عن الشباب السوري ،هذا الجيل الذي يملك تركيبة خاصة أبعدته عن كل ما له علاقة بالثقافة ،هو جيل ثمة من ينوب عنه ويعمل بالنيابة عنه ،فهو غير معنيّ بالكتاب لأنه أصلاً غير معني بموضوع الكتاب وبعيد باهتمامه عن ذلك ، ولا يملك الوعي الكافي بقيمة الكتاب ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يفتقد الشاب إلى طريقة لاستخدام وتوظيف معارفه فيما لو دفعه فضوله إلى الاهتمام بكتاب ما. إذاً لم القراءة ولم الكتاب خاصة وأن سعره لا يشجع ؟
ومع ذلك لا يمكننا أن نعزي سبب عزوف الشباب عن القراءة إلى الناحية المادية فقط ،بالرغم من أن أسعار الكتب مرتفعة بالنسبة إلى الشباب بشكل خاص ،لكن رغم ذلك يمكن الحصول على كتب جيدة وهامة بأسعار رخيصة نسبياً مثل كتب وزارة الثقافة التي تباع في المعارض بحسومات جيدة ،إضافة إلى ظاهرة بيع الكتب على الأرصفة والشوارع المنتشرة في المدن السورية والتي تشكل أهم مكتبات القرّاء حيث تباع فيها الكتب بأسعار رخيصة جداً. كل ذلك يجعل من الأمر ظاهرة تدعو إلى السؤال: لم لا يقرأ الناس وبشكل خاص الشباب منهم؟
وفي جولة قمنا بها في جامعة دمشق أكد جميع الطلاب الذين التقيناهم عدم مواظبتهم على مطالعة الكتب الثقافية متذرعين بأن القراءة باتت”موضة قديمة” ،في حين أجمعوا على تصفحهم لشبكة الانترنت بشكل يومي مع نفيهم لتصفح المواقع الإباحية ،في حين تحدث أحد أصحاب المقاهي في منطقة البرامكة عن المحتوى الذي يتصفحه الزوار ليؤكد إن أغلب رواد المقهى والمقاهي المجاورة هم من متصفحي مواقع الدردشة وفي مقدمتها موقع الفيسبوك بالإضافة إلى أن فئة كبيرة من الشبان يتصفحون المواقع الإباحية.
أما سمير عبد الصمد /23/سنة الذي التقيناه وهو منشغل في محادثات فيسبوكية مع أصدقائه فأكد أنه يتحدث يوميا “عبر (الفيسبوك) مع غالبية الأصدقاء ويطرح القضايا دون ضوابط ودون خطوط حمراء أو خضراء أو صفراء, فهنا لا رقيب على أحاديثهم وجميع القضايا مطروحة بما فيها الجنسية دون خدش حياء المشاركين.وقال :أجد في تصفحي للمواقع الالكترونية إشباعا لحاجاتي المتعددة أكثر مما أجده إذا قرأت كتاب،فالكتاب مهما كان غنيا سيأخذ من وقتي عدة أيام لأحصل على معلومة بينما أستطيع الحصول على كم هائل من المعلومات عبر شبكة الانترنت خلال عدة ساعات ،بينما يقتصر استخدام صديقه محمود بندقجي -شاب جامعي- لشبكة الإنترنت على زيارة موقعه الالكتروني وتنزيل بعض مقاطع الفيديو والموسيقى ،على حد قوله، أما في أيام الدراسة فيقتصر استخدامه للانترنت على تحميل المواضيع التي تفيده في مجاله الدراسي ،وتقتصر ثقافته على المقررات الجامعية التي يدرسها،ويضيف بندقجي:إن غلاء سعر الكتب في سورية يجعل الشاب السوري يبتعد عن قراءة الكتب واقتناءها ،أما لؤي المحمد فقد أكد أن كل رفاقه يقومون بتصفح المواقع الإباحية بشكل يومي حتى باتت تشكل هاجساً لهم،مع رفضهم لحمل كتاب وقراءته متذرعين بأن القراءة أصبحت شيء منسي بوجود التكنولوجيا.
سلوك المسنخدم
ميسم صقر أحد العاملين في قطاع الانترنت الخاص أكد أن الإنترنت في سورية -حسب سلوك مستخدميه- مازال وسيلة ترفيه ولم يرتقِ ليصبح جزءاً من الحياة الرقمية بعد ،ذلك من خلال مراجعة البيانات الخاصة بالمزود الخاص بنا ،حيث أكد أنه وبمراجعة المواقع الشهيرة لقياس سلوك المستخدمين، وبمراجعة البيانات الداخلية الخاصة بالمزود الخاص بهم لمعرفة المواقع التي يرتادها مستخدمو الإنترنت محلياً تبين أنها تنقسم إلى عدة أجزاء، إذ يأتي أولاً وبالصدارة مواقع الدردشة والتعارف، وتأتي بالمرتبة الثانية المواقع الشائنة أخلاقيا ،ثم وبدرجة معينة تأتي المواقع الإخبارية ،وبمقارنة الزيارة والاستخدام عند السوريين بدول متقدمة مثلاً، نلاحظ غياب مواقع التجارة الالكترونية والتبادل التجاري والمواقع الاستثمارية ومواقع الدفع الالكتروني والمواقع الحكومية، بينما تعتبر في قائمة المواقع الأكثر زيارة في الدول الأخرى.
أخصائي علم الاجتماع منار علي حمَل المحطات الفضائية والانترنت عزوف أوساط الشباب والكبار عن القراءة ،حيث قال:”في بحث قام به على عينة من طلاب جامعة دمشق في الكليات العلمية والنظرية تبين أن هناك اتجاه للعزوف عن القراءة بين أوساط الشباب الجامعي في سورية إذ أن “20%” من طلاب جامعة دمشق لا يقرؤون أي مصدر باستثناء المقررات الجامعية،وكان الانترنت والمحطات الفضائية من بين الأسباب الرئيسية للعزوف عن القراءة عند الشباب ،كذلك البيئة الاجتماعية المحيطة بالشباب السوري غير مشجعة للقراءة ،إضافة إلى ذلك عدم وجود رغبة للقراء عن الشباب ،فوصلت النتائج إلى أن نسبة الذين لا يقرؤون مطلقا باستثناء المقررات الجامعية 20% من مجموع العينة ،أما معدل من يقرؤون بمعدل أقل من ساعة يوميا بلغت 56%من حجم العينة ولم تتجاوز نسبة من يقرؤون أكثر من 3 ساعات 5% مع وجود فروق حسب متغيرات الجنس لصالح الإناث بلغت 7% ،إذ ترتفع نسبة القراءة بين الإناث الى 84% مقارنة بالذكور 77%.
وأضاف علي :من المؤسف أن جيل الشباب السوري الذي ينتمي لأمة توصف (بأمة اقرأ) يشهد تراجعا في الميل للقراءة كعامل مهم في تكوين الثقافة ،وبالرغم من التطور الهائل في وسائل الوصول إلى المعلومات عبر الانترنت وإمكانية الوصول إلى الكتب والصحف والمجلات الرقمية عبر هذه الوسيلة ،إلا أنه وللأسف تم استغلال هذه التقنية من قبل شريحة كبيرة من الشباب للدخول لمواقع غير أخلاقية ،وبرأيي الشخصي كان من المفيد أن تحذو مؤسسات النشر والإنتاج الثقافي في سورية حذو بعض الدول التي تشجع على القراءة من إقامة لمعارض كتب أكثر من ذلك ،ودعم صناعة الكتب ،وأن تأخذ الدولة والوزارات ذات الصلة بالثقافة “التربية، الإعلام،الثقافة،التعليم العالي” زمام المبادرة بالتعاون مع الناشرين ومؤسسات القطاع الخاص والأهلي لإعادة الاعتبار للقراءة والثقافة بين أوساط الشباب.
حياة النت
يكشف الانترنت يوميا عن مزايا جديدة لوجوده في حياتنا ،فقد تغيرت ملامح الحياة بوجوده وبات العالم بين يديك تطول ما تشاء وتترك ما تشاء ،هكذا وجد الشباب السوري نفسه مقحما لدخول القرية الكونية بكل تفاصيلها ، ولكن وكما يبدو بدأ استخدام الشباب له يمشي في الاتجاه الخاطئ ،فقد كشفت الإحصائيات الخاصة بتحليلات زيارات الدول للمواقع الالكترونية زيادة مخيفة في نسبة زيارة السوريين للمواقع الإباحية. هذا الأمر شجع بعض الجهات الحكومية المشغلة لبوابات الإنترنت على المزيد من الحجب,لا سيما للمواقع الإباحية تلك التي تتصف بأنها (مستهدفة للقيم المجتمعية للشباب). وكشأن غيرهم من الشباب منحتهم علوم العصر بعض التفاصيل لفك (تشفير) المواقع المحجوبة وتفاعلت المعادلة مجدداً (كل ممنوع مرغوب).