مختصر الاختصار لما خفي من الأسرار وغفلت عنه الأخبار
أمينة عباس
لقناعة أ.علي ديب عيسى أننا مقصرون بحقّ تاريخ البلد العظيم وما قدمه عظماؤه من تضحيات، وإيمانه بضرورة أن نبذل كل جهد لتبقى منارة حضارته تشع من خلال أبنائه الشرفاء لا من خلال الذين باعوه بأبخس الأثمان كان سعيه حثيثاً لإصدار كتابه “مختصر الاختصار لما خفي من الأسرار وغفلت عنه الأخبار” الصادر حديثاً عن دار دلمون الجديدة والذي يتناول أحداثاً من تاريخ سورية بالاعتماد على الروايات والمشاهدات والمراجع، خاصة وأنه ومن خلال مطالعته لكتب التاريخ لمعرفة الحقائق عن أحداث مرت على البلد وجد أن بعضها لم يأخذ حقه في المراجع، وخاصة الفترة التي تلت نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 والتي امتدت نحو 4 سنوات.
متحرياً الصدق
ويبيّن عيسى أن الذي جعله يصرّ على تجميع تلك المعلومات في مؤلف واحد هو أن الناس يتداولون معلومات عن أحداث مما سمعوه من أصدقاء أو وسائل إعلام لا تتحرى الصدق فيما تنشره ثم يطرحون ما بجعبتهم في المجالس وكأن العلم الذي يعتبرون أنفسهم قد حملوه يضاهي ما كتبه الأدباء الكبار دون أن يتحسسوا قضايا ومعلومات حملتها كتب أولئك الأدباء والمؤرخين وقد أنهكتهم في تحري صدقها، مشيراً إلى أنه وبعد أن كان جالساً يطالع في أحد الكتب الثقافية الفكرية للراحل محمد حسنين هيكل أحد المثقفين والكتّاب المصريين تبيّن له أن له عدة مؤلفات في مجالات مختلفة جعلته يحدّث نفسه أن على الإنسان ألا يضيع وقته وساعاته سدى، لذلك قرر أن يكون وقته له قيمة باحثاً في أي مجال عملي أو علمي، فراح يستخرج من مكتبته كتباً متنوعة يطّلع عليها ويعيدها إلى مكانها، متخذاً قراراً بأن يغامر في كتابة مؤلَّف ما باختصاص واحد، موضحاً أنه ومنذ أن كان طالباً في المرحلة الإعدادية حتى الجامعية كان شغوفاً بمطالعة الكتب المتنوعة، الثقافية منها والأدبية والسياسية والفكرية والدينية والعسكرية، وكانت رغبته جامحة بالغوص في المؤلفات التاريخية، خاصة وأن دراسته الجامعية كان قد بدأها في كلية التاريخ، ولم يحالفه الحظ بإكمالها، لينتقل بعد عدة سنوات إلى كلية الشريعة ولينال درجة الإجازة، ومنذ العام 2016 كان السعي لديه كتابة مقالات عن التاريخ وقد ارتأى أن ينجز كتاباً عن تاريخ سورية في حدود معرفته وقراءاته لتاريخها منذ مطلع القرن العشرين وحتى نهايته وبدايات القرن الواحد والعشرين، ولا يخفي عيسى أن البداية كانت صعبة ولكن بالإرادة اخترق الصعاب ومضامين المؤلفات الحافلة بالأحداث السورية، قاطعاً العهد على نفسه ألا يكتب إلا في حدود معرفته،متحرياً الصدق في كل ما سيتم سرده في الكتاب الذي قسم فقرات الجزء الأول منه إلى مراحل وقد قُسمت فقرات الجزء الأول إلى مراحل تبدأ من بداية الحكم العربي الفيصلي الذي امتد من 1/12/1918 حتى 20/7/1920حيث الاحتلال الفرنسي والذي استمر نحو ربع قرن من 24/7/1920 إلى 16/4/1946 وما تخلل هذه الفترة من أحداثعقب الجلاء منذ العام 1946 إلى 22 شباط 1958 تاريخ الوحدة السورية المصرية، ومرحلة الوحدة من 22/2/1958 إلى 28/9/1961ومرحلة الانفصال من 28/9/1961 قيام الحركة التصحيحية 16/11/1970وحتى 21/3/1971منذ تولي الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى تاريخ 10 حزيران 2000 العام الذي رحل فيه وما مر بها من أحداث وما شهدته من نهوض علمي واقتصادي،خاصة وأن عيسى عاصرها وكان بمثابة شاهد عيان على ما جرى فيها، مؤكداً أنه سيكون لمرحلة ما بعد العام 2000 جزءاً خاصاً وهو الجزء الثاني من الكتاب.
في ذاكرة كل سوري
وفي الخاتمة التي أوردها عيسى في نهاية الجزء الأول من الكتاب أشار إلى أنه لن يتطرق إلى السياسة الاستعمارية التي مارستها فرنسا في ظل حكم دام نحو ربع قرن من الزمن وكانت صخرة جاثمة على القلب السوري الذي انتفض وشمّر عن ساعديه واستطاع تحطيم تلك الصخرة بنبضات الحياة، مبيناً أن من يتمنون اليوم أن يعود الحكم الفرنسي لبلادهم وجلّهم ممن ساهم ويساهم في تخريب سورية نقول لهم راجعوا التاريخ السوري لتروا ما فعلته فرنسا وعملاؤها في سورية، أما عن أحوال سورية خلال فترة الانقلابات العسكرية فكما ورد في كتب التاريخ التي تناولت تلك الحقبة وما ذكره المعاصرون في مذكراتهم يؤكد المؤلف أن الحال لم يتغير كثيراً حينها، فحلّ رجالُ الإقطاع والرأسمالية محل الانتداب الفرنسي وقد مارسوا أساليب قهر للشعب السوري لم تكن جديدة بل موروثة من سياسة الاستعمار، الأمر الذي حدا برجالات الجيش إلى التدخل والانقلاب على الحكومات، تؤيدهم الحكومات الغربية لتكون سياستهم موالية لها، وكان قائد كل انقلاب يتذرع بمبررات منطقية تناسب الفترة الزمنية التي يقرر فيها الانقلاب، فمنذ أول انقلاب لحسني الزعيم لم يتغير حال الشعب بل انتقل من سيء إلى أسوأ عبر إهمال كل متطلباته المعيشية والحياتية، واستمرت الحركات الانقلابية، ولم تكن من مصلحة للشعب في تلك الحركات، لذلك كان الفشل مصيرها الحتمي، لتأتي بعد ذلك ثورة البعث في آذار 1963 التي حاولت أن تقف إلى جانب الشعب لكن الخلافات الحزبية أدت إلى تغيير المسار الثوري ليأتي بعدها القائد الخالد حافظ الأسد وينقذ الثورة بتطهيرها من الأفكار الهدامة وتصحيح مسارها لتكون من الشعب وإلى الشعب، والتاريخ وحده كما يؤكد عيسى يشهد على نجاح تلك الحركة التي عشنا ثمارها في عقود ثلاثة من الزمن، ليكون مهندسها خالداً في ذاكرة كل سوري شريف يغار على مصلحة بلده ويضع نصب عينيه تقدمها وإعلاء كلمتها في كافة المحافل الدولية، موضحاً عيسى في نهاية الخاتمة أنه سيفرد مساحة واسعة للعقدين الأخيرين ويسلط الضوء عليها وما طرأ من أحداث على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية حتى يومنا هذا، وضم الكتاب في نهايته:
*ترجمة مختصرة للقائد الخالد حافظ الأسد 1930-2000.
*لمحة عن رئيس الجمهورية د.بشار الأسد.
*وفق الترتيب الزمني.. هؤلاء حكموا سورية.
*الحكومات المتعاقبة على سورية.
*وزراء الدفاع المتعاقبون على سورية.
معلومات موثقة
وأكد أ.علي ديب عيسى لـ”البعث الأسبوعية” أن كل المعلومات الواردة في الكتاب موثقة وقد تكون موجودة في بعض الكتب بشكل مبعثر، وقد جمعها لتكون ضمن كتاب واحد، مبيناً أن كتب التاريخ كثيرة ولكن على الكاتب أن يبحث عن المعلومات ويدققها جيداً للوصول إلى المعلومة الصحيحة، وعدم الدقة في بعض كتب التاريخ ناتج عن عدم تحري الصدق من قبل الكاتب، منوهاً إلى أن التوثيق لا يتم بالاعتماد على المعلومات الموجودة على النت أو من خلال بعض المسلسلات التي لا يمكن اعتمادها كمادة توثيقية لأن المخرج يسعى إلى تقديم الدراما على حساب التوثيق حتى لو كان يقدم عملاً تاريخياً.
يُذكَر أن أ.علي ديب عيسى كان قد قام بتوقيع الكتاب ضمن فعاليات معرض الكتاب السوري الذي أقيم مؤخراً في مكتبة الأسد الوطنية.
محتويات الكتاب:
مقدمة.
الجزء الأول: من نهاية الحكم العثماني حتى نهاية الحكم الفرنسي (الاستعمار) ويتضمن خمسة فصول:
الفصل الأول: الحكم الفيصلي من فترة نهاية الحكم العثماني وخروج العثمانيين حتى الاستعمار الفرنسي في 24/9/1920.
الفصل الثاني: من بداية الاستعمار الفرنسي حتى أحداث الثورة السورية الكبرى من 1925 حتى 1927.
الفصل الثالث: من نهاية الثورة السورية الكبرى حتى معاهدة 1936.
الفصل الرابع: من 1936 حتى بداية الحرب العالمية الثانية.
الفصل الخامس من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى عهد الاستقلال.
الجزء الثاني: من بداية الاستقلال حتى وفاة الرئيس حافظ الأسد.
الفصل الأول: من الاستقلال 1946 إلى الوحدة 1958.
الفصل الثاني: من الوحدة 1958 إلى الانفصال 1961.
الفصل الثالث: فترة الانفصال من 1961 حتى 1963.
الفصل الرابع: من ثورة آذار 1963 حتى الحركة التصحيحية 1970.
الفصل الخامس: فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد.
الجزء الثالث قيد التأليف: مختصر عن العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين حتى يومنا هذا.