تراس نفّذت الأمر واستقالت
تقرير إخباري:
أهم ما جاء في رسالة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تراس إلى مَن يُفترض أنه وزير خارجية الولايات المتحدة، بمعنى أنه أقل رتبة منها، أنها اعترفت بأنها تعمل على تنفيذ أوامر سيّدها الأمريكي وأنها عميل مطيع لكل الأوامر التي تُملى عليها من وراء المحيط، وهي الرسالة التي يبدو أنها حدّدت إلى مدى بعيد نهاية حياة تراس السياسية، حيث لم تستمرّ في منصبها أكثر من ستة أسابيع، وأوّل المتهمين طبعاً بتسريب فحوى الرسالة كان روسيا التي اتهمتها لندن مباشرة بأنها تجسّست على هاتف رئيسة وزرائها، دون تقديم المادة التي تثبت صحّة الاتهام.
وفي الواقع، مَن يراقب الحوار الدائر خاصة بين روسيا وبريطانيا يمكنه ببساطة أن يُدرك أن اللعب بين الطرفين يتم بطريقة مكشوفة وصريحة، فبريطانيا التي أثبتت أنها تحوّلت من “الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس” إلى خادم وعبد مطيع للسيّد الأمريكي بعد أن كانت تفرض عليه الضرائب من خلف المحيط، لم تتأخّر كثيراً حتى أثبتت للعالم أجمع أنها المتورّط الأول في جميع الاستفزازات التي تتعرّض لها روسيا خلال حملتها الخاصة في أوكرانيا، فهي التي تقف خلف تفجير خطّي أنابيب السيل الشمالي، وهي كذلك وراء استهداف الأسطول الروسي في البحر الأسود، وقبلها فبركت موضوع تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال خدمة لسيّدها الأمريكي، فضلاً عن حادثة طائرة ريان إير الإيرلندية.
ومن هنا كانت التصريحات التي صدرت من العواصم العالمية بعد استقالة حكومة تراس في الأغلب الأعم روسية، حيث تناوب المسؤولون الروس على السخرية من الفترة القصيرة التي قضتها تراس في الـ”داونينغ ستريت”، في الوقت الذي بلع فيه المسؤولون البريطانيون ألسنتهم في مواجهة هذه السخرية، الأمر الذي يؤكّد أن الدليل الوحيد الذي تمتلكه بريطانيا على تجسّس روسيا على هاتف تراس هو إعلانها أن موسكو فضحت أسرار الرسالة التي أرسلتها تراس، ولولا تجسّسها على هاتفها لما تمكّنت من ذلك.
كل ذلك كان على لسان المسؤولين الروس أصحاب المناصب السياسية، من أمثال سيرغي لافروف وماريا زاخاروفا، أما أن يؤكد مدير جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين وجود علاقة بين الرسالة التي أرسلتها رئيسة وزراء بريطانيا السابقة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وتفجير خطوط غاز السيل الشمالي، فإن ذلك يعني صراحة أنه “توجد أسسٌ غير مباشرة تدفع روسيا للاعتقاد بأن الرسالة النصية التي بعثتها تراس إلى بلينكن، تعلّقت بتفجير خط أنابيب نقل الغاز الروسي إلى أوروبا السيل الشمالي”، وهذه الأسس باختصار هي أن جهاز الاستخبارات الروسي يملك أدلّة مادية على أن هذه الرسالة صدرت من هاتف تراس، فماذا يعني الصمت البريطاني عن هذا “التبجّح” الروسي إن صحّ التعبير؟ وهل تستطيع لندن فعلاً الخروج عن صمتها في مواجهة حملات السخرية الروسية هذه وتعلن أن هذه الرسالة وقعت فعلاً بيد الروس؟.
طلال ياسر الزعبي