جانب من الصورة
عبد الكريم النّاعم
بعد غياب طويل التقيا، وهما أبناء حركة وحدويّة تقدّمية اشتراكيّة، بحسب تصنيف تلك الأزمنة التي مرّت، وكم في النفس من أشجان، وانكسارات، والتواءات، ورغم غلبَة الأحزان في العمق البعيد كان في اللقاء ثمّة إشراقة في تلك الجوانب الغامضة.
قال له: “كيف تُمضي أيامك، وكيف أنت من الداخل”؟
أجابه: “أنا لا أمضي أيامي هي التي تمضيني، جيلنا الذي كانت أحلامه عالية، وكنّا نظنّ أنّها بمتناول جهودنا، وأصابتْه كلّ تلك الخيبات، هو جيل شقيّ، ولا أُنكر صدق العاطفة فيه، وحسْن النّوايا، وألَق التفاؤل، ولذا كانت صدماته في عدم الإنجاز قاسية وبليغة، وسنحملها معنا ما دمنا أحياء”.
قاطعه: “لا أريد نكْء الجراح، ولا الانكفاء المرير، ولا اليأس لأنّه أمرّ من المرار، ولا أستطيع التخلّي عن الحلم، فالأحلام لا تموت، ولكنّها قد تهجع بعيداً في أغوار النفس العميقة، تاركة من الآثار المُضنية ما تترك، ولثقتي بنظافة تفكيرك وعمقه أسألك كيف ترى ولو جانباً من الصورة في الأمد القريب”؟
أجابه: “ما أقوله مجرّد رؤية، لا أريد الذهاب إلى عالم التأويل والتنظير والتحليل، أبدأ من الواقع، لقد أرجعونا في معظم المواقع، على مستوى الوطن والمنطقة إلى الانشغال القطْري، لإقصاء ما هو قومي، لمحْوه حتى من الحضور النّظري، ولتعميق القطريّة، بما دافوه فيها من صراعات اثنيّة، قبائليّة، مناطقيّة، وبما أشاعوه فيها من تشويش بحيث يحسب السائر أنّه يرى.
خُذْ سورية على سبيل المثال، آخذها بما كانت تشكّله من مركز إشعاع وحدويّ، تقدمّي، اشتراكيّ، يستقطب الأخوة العرب، مع عدد من المراكز الواعدة التي كانت في القاهرة وبغداد، والجزائر، وليبيا، واليمن.. سوريّة الآن هي في مرحلة (تحرير) وطنيّ، لا (تحرّر)، فالجولان محتلّ من قبل الصهاينة، وبعد عشرية الخراب التي تسبّب بها جماعة الإخوان، وأفراخهم الدواعش، احتلّ أردوغان التركي بنزعته العثمانيّة ما احتلّ من شمال سوريّة، وهو يهدّد بالمزيد من التوسّع، واحتل الأمريكان شمال الجزيرة، بقمحها، وبترولها، متّخذين من جماعة “قسد” مطيّة يسخّرونها كيفما شاؤوا، وهذا يعطي تحرير ما احتلّوه من أراضٍ أولويّة على ما عداه”.
قاطعه: “لا أقلّل من قيمة ما تفضّلت به، ولكنْ هل ترى أنّ الأمور في تداخلها، أعني الجوار المحيط، بسخونة ما يجري،.. هل تراه يقبل مثل هذا الفصل”؟.
أجابه: “إنّ المحيط الذي أشرتَ إليه، لا يتعارض مع هذه الرؤية، وأنا أعني هنا المحيط الذي هو في اشتباك حقيقيّ مع المشروع الأمريكي الصهيوني، فهو في عدائه للإمبرياليّة المتسلّطة يلتقي جوهريّاً مع مسألة التحرير الوطني، بل كلّ فعل مناهض لواشنطن وتل أبيب، بتحالفاتهما، هو تعبير عن روح التحرير الوطني الذي أعادونا إلى مربّعه، وفهمنا لمشروعيّة التحرير يجعلنا نقبل تأجيل الكثير من المطالب المحقّة، وأنا أتعرّض له من باب أنّه همّ يوميّ حياتي، محاط بعدد من الظروف الداخليّة والخارجيّة”.
قاطعه: “هل ترى أنّ ما بعد التحرير سيفتح آفاقاً تسهّل علينا الخروج من تلك المواقع الحرائقيّة التي أحاطت بنا”؟.
أجابه: “منطق الحياة يقول إنّ دوام الحال من المحال، وما بعد التحرير لا بدّ أن يبسط إفرازاته على الأصعدة السياسية الاجتماعيّة الفكريّة، لأنّ بلوغه كان غاية بهدف غايات أخرى يتطلّبها الواقع المجتمعي، فإذا لم نغفل عن أنّ الحراك العالمي الذي سيتّضح بعد انتهاء حرب أوكرانيا، بما سيتمخّض عنه من نتائج تشمل دول العالم أجمع،.. نستطيع استشراف ما بعد ذلك بأفق من أمل نرجو له أن يتحقّق”.
aaalnaem@gmail.com