ثقافةصحيفة البعث

عشق دمشق وتراثها المادي واللامادي في معرضها

ملده شويكاني

آه يا شام كيف أشرح ما بي     وأنا فيك دائماً مسكون..

كما شُغف نزار قباني بالمدينة الخالدة دمشق، شُغف بحاراتها وبيوتها وأقواسها وياسمينها عدد من التشكيليين، فانسكبت ألوانهم على فضاءات لوحاتهم التي وثّقت روح المدينة ومعالمها، فالتقوا في معرض “دمشق”، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، فتناثرت في أرجائه مفردات نزار قباني من زوايا مختلفة. واتسم طابع التوثيق بالواقعية والانطباعية لتراثها المادي واللامادي، إذ جسّدت بعض اللوحات الطقوس الاجتماعية المتّبعة مثل جلسات الحكواتي بالمقهى والحرف التي انتشرت في دمشق وارتبطت بها، كما زيّن الخط العربي المعرض بحروفه التي تمايلت بعشق دمشق.

بيوت دمشق وحاراتها

ولا بدّ أن يكون حضور الفنان ناثر حسني قوياً في المعرض، إذ وثّق على مدى نصف قرن الطراز المعماري بالبيت الدمشق وأجزائه، متوقفاً في كثير من لوحاته عند تفاصيل الأبواب والنوافذ والبحرات والياسمين والنارنج والطير الدوري، فحفل المعرض بها. أما تلميذه الفنان محمد دبور فوثق بأسلوبه الواقعي حارات دمشق لأنها تحمل هويتها وذاكرة الآباء والأجداد، وأوضح أن لكلّ حارة طابعها الخاص، فرسم القيمرية والعمارة وحارة الصواف، بألوان الزيتي، معتمداً على الألوان الترابية القريبة من الواقع، وأشار إلى أهمية مشاركة عدد من الأجيال في المعرض.

 النقل

الفنان المصوّر الفوتوغرافي أحمد شما الذي عمل في المدينة القديمة بالتوثيق لمعالم دمشق، تأثر بعملية التوثيق اليومي، فنقل صور دمشق الفوتوغرافية إلى لوحاته الزيتية بعد إضافة ملامح تخيّلية كأشخاص وتفاصيل تغني اللوحة، فكان بعضها أقرب إلى الانطباعية، فجسّد تاريخ دمشق وأوابدها وأسواقها بما حفلت به من ذكريات، فمن مقهى النوفرة إلى ساحة المسكية، وتألقت لوحة باب شرقي بأقواسها وحجارتها القديمة المأخوذة من صورة قديمة، إلا أنه أضاف إليها من مخيلته الباعة وحركة السيارات وتجوال المارة لإغناء اللوحة، مثل لوحة بوابة الصالحية، وتابع عن لوحة محطة الحجاز التي رسمها بعد أن قام بدراسة للمنطقة، فجسّد المبنى الرئيسي وأضاف إليها، الملفت أنه أدخل صحيفة تشرين التي يطالعها أحد المنتظرين في دكان الحلاق، وتبقى فيروز التي ارتبطت بدمشق من أجمل لوحاته.

يستخدم الفنان شما ألوان الإكريليك، ويرى أن المعرض مهمّ جداً، متمنياً أن يكون أكثر من معرض في العام عن دمشق، ولاسيما أن الساحة التشكيلية تضمّ مجموعة من الفنانين المتخصّصين برسم دمشق وملامحها.

يوميات دمشق

وفي زاوية أخرى وثّق الفنان نذير البارودي في لوحاته الحياة الاجتماعية مثل لوحة معرض دمشق الدولي والتفاف الناس حول فرع نهر بردى، إضافة إلى توثيقه الحرف اليدوية مثل خراطة الخشب ويوميات دمشق في حاراتها وتجوال بائع العرق سوس.

ورسمت دعاء بسطاطي وفق مسارها المعروف بالرسم العكسي على الزجاج وبألوانه الخاصة بأسلوب تعبيري المقهى والبيوت الدمشقية.

دمشق والقيشاني

الفنان علاء الغبرة من جيل الشباب الذي يمزج بين الخط العربي والزخرفة والرسم، وفي هذه المشاركة رسم على كرتون كانسن، فوثق في لوحته الأولى بإطار من خط النيسبوري وكوفي مربع في الوسط الآية الكريمة “إنك لعلى خلق عظيم” الجامع الأموي، وتابع في اللوحة الثانية عن مئذنة العروس بالجامع الأموي مع زخارف تتوسطها كلمة دمشق بالخط البستاني مع إطار قيشاني، وتألقت اللوحة الثالثة بالوردة الدمشقية ودمشق بخط الثلث محاطة بعامودين جانبيين بالقيشاني، مع ملامح بيوتات دمشق المتكونة مع الزخارف.

موسيقا الحرف والشام

وقد تألق المعرض بمشاركة الفنان الدكتور محمد غنوم بلوحاته التي رسم فيها تكوينات حروف مفردة شام بتناغم الخطوط التشكيلية والألوان التي هيمن اللون الأزرق على جزء كبير منها، فتحدث عن عشقه لدمشق المتيّم بها، فاختار لوحات أنجزها من مراحل عدة حتى يومنا الحالي، ليبيّن للمتلقي التطور بأسلوبه وفق مفردتين وهما: دمشق والشام، وكلاهما تصبان في المكان ذاته الذي يحتوي على زوايا غير محدودة من الجمال، وفي كلّ لوحة يحاول أن يلتقط إحدى الزوايا الجميلة يعبّر عنها بتجربته، فأحياناً تكون الحروف متعانقة وأحياناً ملتفة وصاعدة وهابطة، فكل الحالات تقول أنا أعشق الشام، موظّفاً موسيقا الحرف العربي لأنها تطرب كل من يشاهدها.

أما عن سبب هيمنة اللون الأزرق فعقب بأنه لون النبل الذي يتآلف بشكلانية مع نبل دمشق، وأنهى حديثه بأن الجائزة التقديرية أعطته حافزاً أكبر للمشاركة بمعارض مع كل الفئات العمرية.

الخط العربي ولغتنا 

وفي نهاية المطاف تحدثت الأستاذة نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق عن المعرض الذي توخى توثيق التراث المادي واللامادي بكل ما تحفل به دمشق من عراقة وأصالة، لمجموعة من الفنانين الكبار المخضرمين الذين وثّقوا أوابد دمشق، كما شارك الخط العربي لأنه جزء من تاريخنا وتراثنا وانتمائنا، فلغتنا العربية هويتنا ومن واجبنا الحفاظ عليها بكل الأساليب، والخط العربي جزء من الحفاظ على جمالية اللغة العربية وجزء من أعمدتها. كما أشادت بأهمية مشاركة أجيال متعدّدة نقلوا وصوّروا دمشق بأبهى صورة.

ذكريات من دمشق 

ألحق افتتاح المعرض بندوة أقامتها جمعية أصدقاء حديقة السبكي، استحضرت فيها الباحثة صباح ملص ذكريات من دمشق ابتداء من صندوق الأغاني إلى ألبومات الأبيض والأسود، إلى الطقوس الاجتماعية والاستقبالات الدمشقية التي لا تخلو من العزف على العود، و”رقصة ستي” التي أصبحت من التراث اللامادي لدمشق، كما تابعت عن الدور الكبير الذي قام به مصطفى هلال بتوثيق الأغنيات الشعبية السورية.

وتابع الباحث مازن ستوت عن حارات دمشق وبيوتاتها التي أعطت الحب إلى العالم وكان دورها في النضال بالبطولات والملاحم كبيراً.

وأفردت فقرات فنية بإشراف المخرج باسل هاشم بعزف على العود لجهاد قباني وغناء ربيع حرب مقتطفات من التراث السوري والدمشقي، منها “يلبق لك شك الألماس”.