وثائق تكشف اختبارات بشرية في السجون الأمريكية
ترجمة: عناية ناصر
قال جيم كيني، عمدة فيلادلفيا، في تغريدة له في السادس من تشرين الأول الماضي: “لقد قدمنا اعتذاراً رسمياً لأولئك الذين تعرّضوا لإساءات غير إنسانية ومروّعة نتيجة التجارب التي أجريت في سجن هولمزبيرغ من الخمسينيات إلى السبعينيات”.
يُذكر أن السجن الذي تديره فيلادلفيا، الملقب بـ”تيروردوم”، تمّ إغلاقه في عام 1995، بعد أن كان سجلاً توثيقياً للتاريخ المظلم للتجارب البشرية التي رعتها الحكومة في الولايات المتحدة.
بين عامي 1951 و1974، قام طبيب أمريكي يُدعى ألبرت كليغمان، بالتعاون مع جامعة بنسلفانيا ومسؤولي السجن، باختبار مواد خطرة، وربما قاتلة، مثل فيروس الهربس البسيط، والنظائر المشعة، والديوكسين، وعوامل الحرب الكيميائية على السجناء في سجن “هولمزبيرغ” الذي كان ينظر إليه على أنه مختبر بشري، مقابل الحصول على مبالغ صغيرة، ولكن ثبت أن الضرر الذي لحق بأجسادهم لا يمكن علاجه!.
كانت الاختبارات قد استمرت حتى عام 1974، عندما دفعت الاحتجاجات الشعبية الباحثين إلى إيقاف البرنامج، وبحسب ألين إم. هورنبلوم، الصحفي والمسؤول السابق في العدالة الجنائية في فيلادلفيا، فإن ما حدث في السجن كان “إساءة، ولامبالاة أخلاقية، وجشعاً”.
وهذه الحلقة ليست سوى غيض من فيض في تاريخ الولايات المتحدة للتجارب البشرية، فقبل تجربة “هولمزبيرغ” سيئة السمعة مباشرة، أثارت دراسة أخرى أجريت في معهد “توسكيجي” في ألاباما من عام 1931 إلى عام 1972 جدلاً أيضاً. ففي إطار برنامج أجرته دائرة الصحة العامة الأمريكية، ومعهد توسكيجي، تمّ تجنيد مزارعين، ومعظمهم من الأمريكيين الأفارقة، كموضوعات اختبار لدراسة آثار مرض الزهري على جسم الإنسان دون الحصول على معلومات كاملة عن العواقب المحتملة مسبقاً.
إن حكومة الولايات المتحدة لا ترحم مواطنيها، فكيف سترحم الرعايا الأجانب؟!. لقد أجبرت بين عامي 1946 و1948، أكثر من 5500 سجين غواتيمالي، وجنود، وأطفال، ومرضى نفسيين على الانضمام إلى التجارب، حيث أصيب أكثر من ربعهم بشكل متعمّد بمرض الزهري أو السيلان أو القرح لمعرفة ما إذا كان البنسلين، الذي كان جديداً نسبياً، يمكن أن يمنع هذه الأمراض المنقولة جنسياً.
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ومن أجل إيجاد أدوات وعقاقير فعّالة يمكن استخدامها في الاستجوابات لإجبار السجناء على الاعترافات، أطلقت “وكالة المخابرات المركزية” برنامجاً تجريبياً بشرياً مروعاً أطلقت عليه مشروع “إم كي ألترا”، والذي استخدم طرقاً عديدة للتلاعب بالحالات العقلية للأشخاص ووظائف الدماغ، مثل حقن جرعات عالية من الأدوية ذات التأثير النفساني والمواد الكيميائية الأخرى، والصدمات الكهربائية، والحرمان الحسيّ، والاعتداء اللفظي والجنسي، وما إلى ذلك. ومن أجل ذلك الغرض، تمّ التعاقد مع ممارسي التشريح والتعذيب الذين عملوا في اليابان، وفي معسكرات الاعتقال النازية لإجراء التجارب.
وحتى الأطفال لم ينجوا من تلك التجارب اللا أخلاقية، حيث كشف فيلم وثائقي بعنوان “البحث عن نفسي” نشرته إذاعة الدنمارك أنه في ستينيات القرن الماضي، تمّ إحضار أكثر من 311 طفلاً دنماركياً من دور الأيتام إلى قبو مشفى في كوبنهاغن وخضعوا لتجربة سرية حاولت إثبات الصلة بين الوراثة والبيئة في تطور مرض انفصام الشخصية، حيث تمّ وضع الأطفال على كراسي مع أقطاب كهربائية على الذراعين والساقين والصدر، وتمّ تعذيبهم بأصوات مرتفعة وعالية النبرة لمعرفة ما إذا كانوا يحملون سمات المرضى النفسيين. اكتشف بير وينيك، صانع الفيلم الوثائقي والذي كان أيضاً ضحية للاختبارات، أن البحث كان مدعوماً من قبل مؤسّسة علم البيئة البشرية في الولايات المتحدة، والتي عملت نيابة عن وكالة المخابرات المركزية.
تحبّ الولايات المتحدة تصوير نفسها على أنها “حارسة” حقوق الإنسان والأخلاق، أما واقع الحال فإن سجلها في مجال حقوق الإنسان مليء بكل أنواع الانتهاكات الشنيعة على الصعيدين المحلي والعالمي.