مهمة لولا تبدأ الآن
هيفاء علي
عاد لولا إلى السلطة، وستكتمل هذه العودة في 1 كانون الثاني 2023. كان خطابه الأول ارتجالياً يشبه خطاب غارسيا ماركيز ويتدفق منه الوعي الشعبي، حيث شدّد لولا على الدفاع عن الديمقراطية، ومحاربة الجوع، والتنمية المستدامة والاندماج الاجتماعي، والكفاح الدؤوب ضد العنصرية والتحيّز والتمييز، ودعا إلى تعاون دولي للحفاظ على غابات الأمازون المطيرة، والكفاح من أجل تجارة عالمية عادلة، بدلاً من التجارة التي تدين بلاده بأن تكون مصدراً أبدياً للمواد الخام.
تمكّن لولا، الذي كان دائماً مفاوضاً استثنائياً، من الفوز على الجهاز الهائل لآلة الدولة التي أطلقها بولسونارو، والتي شهدت توزيع مليارات الدولارات في شراء الأصوات، وفيضاً من الأخبار المزيفة، والترهيب المباشر ومحاولات قمع الناخبين ضد الفقراء من قبل البولونيين المسعورين، بالإضافة إلى حلقات لا حصر لها من العنف السياسي من عام 2003 إلى عام 2010 عندما وصل إلى السلطة، قبل شهرين فقط من الغزو الامريكي للعراق، ونجح في تحقيق الازدهار الاقتصادي والحدّ من الفقر بشكل كبير ومجموعة من السياسات الاجتماعية. ففي غضون ثماني سنوات، أوجد ما لا يقلّ عن 15 مليون وظيفة، ولكن انتهى الاضطهاد السياسي الشرس إلى إبعاده عن الانتخابات الرئاسية لعام 2018، مما مهّد الطريق لبولسونارو، وهو مشروع رعاه جيش اليمين المتطرف في البرازيل منذ عام 2014.
وبحسب المحللين، تبدأ مهمة لولا الآن حيث يعاني ما لا يقلّ عن 33 مليون برازيلي من الجوع، فيما يعاني 115 مليوناً آخرين من “انعدام الأمن الغذائي”، وهناك ما يصل إلى 79٪ من الأسر رهينة مستويات عالية من الديون الشخصية، كما سيتعيّن عليه مواجهة الكونغرس، ومجلس الشيوخ العدائيين بشدة وحتى الحكام البولونيين، بما في ذلك في أقوى ولاية في الاتحاد، ساو باولو، والتي تركز قوة نيران صناعية أكثر من العديد من خطوط العرض في شمال الكرة الأرضية.
سيعتمد الكثير على من يعيّنه لولا وزيراً للمالية، والمرشح الرئيسي هو هنريك ميريليس الرئيس التنفيذي السابق لشركة “فلاي بوسطن”، ثاني أكبر دائن خارجي للبرازيل بعد “سيتي غروب”. وقد أعرب ميريليس عن دعمه غير المشروط لـ لولا، الذي كان يعمل لديه سابقاً كرئيس للبنك المركزي.
في السياق، قامت فيكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، بزيارة غير رسمية إلى البرازيل في نيسان الماضي، ورفضت مقابلة بولسونارو وأشادت بالنظام الانتخابي البرازيلي. وفي وقت لاحق، وعد لولا الاتحاد الأوروبي بنوع من “الحكم” في منطقة الأمازون، وكان عليه أن يدين علانية “العملية العسكرية الخاصة” الروسية في أوكرانيا. قد يشير كلّ ما سبق إلى حكومة يسارية زائفة واردة من حزب العمال -نيوليبرالية بوجه إنساني- تمّ اختراقها من قبل جميع أنواع المتجهات اليمينية، والتي تخدم بشكل أساسي مصالح “وول ستريت”، ووزارة الخارجية التي تسيطر عليها الحكومة. والمحاور الرئيسية هي الاستحواذ على الأصول الاقتصادية الرئيسية من قبل عملاء أمريكا والغرب عموماً، ولكن لولا ذكي للغاية بحيث لا يمكن اختزاله في دور مجرد رهينة، رغم أن غرفة المناورة -الداخلية-ضعيفة للغاية. والبلسونارية السامة، الآن في المعارضة، ستستمر في الازدهار مؤسسياً متنكرة بزي “معارضة النظام”، ولاسيما في مجلس الشيوخ. مع العلم أن بولسونارو “أسطورة” صنعها الجيش وظهرت إلى النور بعد حوالي شهر من فوز ديلما في الانتخابات، الأمر الذي دفعها إلى ولاية ثانية في أواخر عام 2014.
ولولا هو أحد مؤسّسي مجموعة “البريكس” في عام 2006، والتي ولدت من رحم الحوار الروسي الصيني، ويحظى باحترام كبير من قبل قادة الشراكة الاستراتيجية الروسية الصينية، شي جين بينغ وفلاديمير بوتين. لقد وعد بالخدمة لفترة ولاية واحدة فقط، حتى نهاية عام 2026، ولكن هذا هو بالضبط الامتداد الرئيسي في عين البركان، على امتداد العقد الذي وصفه بوتين في خطابه في “فالداي” بأنه الأخطر والأكثر أهمية منذ الحرب العالمية الثانية. إن التوجّه نحو عالم متعدّد الأقطاب، ممثلاً مؤسسياً من خلال مجموعة من الهيئات تتراوح من مجموعة “بريكس+ ” إلى منظمة “شنغهاي” للتعاون إلى “الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي”، سيستفيد بشكل كبير من وجود لولا على متن السفينة، والذي يمكن القول إنه الزعيم الطبيعي للجنوب.
بالطبع، ستكون أمريكا الجنوبية على رأس أولويات سياسته الخارجية المباشرة، فهو أعلن بالفعل أنها ستكون وجهة زيارته الرئاسية الأولى، على الأرجح الأرجنتين، التي من المقرّر أن تنضمّ إلى مجموعة “بريكس+” ثم يذهب إلى واشنطن. ستكون البرازيل بطة عرجاء في قمة مجموعة العشرين المقبلة في بالي في منتصف تشرين الثاني الجاري، ولكن في عام 2023 سيعود لولا إلى العمل إلى جانب بوتين وشي، وهذا ينطبق أيضاً على قمة “بريكس” القادمة في جنوب إفريقيا، والتي ستوحد مجموعة “بريكس+” حيث تتوق العديد من الدول للانضمام، ثم هناك الصلة بين البرازيل والصين، فمنذ البداية، في عام 2003، راهن لولا على شراكة استراتيجية مع الصين، واعتبر زيارته الأولى لبكين عام 2004 من أولويات سياسته الخارجية.