أيمن أبو الشعر… بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي
البعث الأسبوعية- أمينة عباس
نجح الكاتب د.راتب سكر من خلال كتابه الصادر مؤخراً بعنوان “أيمن أبو الشعر بين روزا لوكسمبورغ وساحة العاصي” في تلخيص سيرة الشاعر أبو الشعر الذي كان في فترة من الفترات ظاهرة شعرية من حيث الحضور الجماهيري الكبير والحاشد الذي عرفته أمسياته في الستينيات والسبعينيات والذي كان ينافس الحضور الجماهيري لمهرجانات المسرح والسينما والشعر العربي شأنه في ذلك برأي د.حسن حميد شأن شعراء عرب أمثال مظفر النواب ونزار قباني ومحمود درويش ومحمد الحريري وأمل دنقل، مبيناً د.راتب سكر في كتابه أن الجماهيرية الشعرية التي عرفها أبو الشعر لم تكن الميزة الأوضح لحضوره الشعري وإنما كانت قصيدته هي الأوضح بمعانيها ومبانيها وغناها، حيث كانت جماهيرية أبو الشعر في قصيده غير مسيسة أو تابعة لتيار معين ولا هي جماهيرية مضللة أو ساذجة وإنما كانت جماهيرية تتباهى بثقافتها وحفظها لقصائده، في حين رأى د.حسن حميد أن جماهيرية أبو شعر لم تكن بسبب قوله الشعري ولا بسبب المعاني التي أرادها مركباً يتقدم به نحو الناس وإنما بسبب روح الحضارة الرابحة في نصوصه أياً كانت موضوعاتها، وهذا ما جعل النقاد يذهبون إلى نصوصه ليروا ما إن كانت جديرة بهذه الجماهيرية التيلا تعرفها عادة إلا المهرجانات الكبيرة أو التظاهرات الشعبية.
ثقيل في معناه.. ظليل في حضوره
وفي تقديمه للكتاب رأى د.حسن حميد أن كتابة د.راتب سكر عن سيرة الشاعر أبو الشعر وكتاباته الشعرية والقصصية والمسرحية وترجماته كلام رحيب عن ضفتين، الأولى هي السيرة الشخصية، والثانية سيرة المدونة الأدبية التي كتبها أبو الشعر، شعراً ومسرحاً وقصة وترجمة، وهي سيرة تاريخية للنصوص في ظهورها وحضورها، والدواوين والكتب المنشورة بحسب أزمانها وعديد طباعاتها، وهنا تتمثل برأيه دقة هذا التتبع وترادفه من قبل د.سكر ما جعلها برأيه سيرة ليست انتقائية لبعض النصوص أو بعض الدواوين أو بعض الأحداث والمناسبات بل هي كتاب ثقيل في معناه وظليل في حضوره وضافٍ في شموليته، مؤكداً حميد أن سكر لم يترك شاردة ولا واردة في سيرة أبو الشعر إلا وأوردها ليجلو أهميتها ويبدي دورها في تخصيب الحياة الشعرية وما أضافته من علامات أسهمت في إعلاء مداميك الحضور الفني لصنيعه الشعري، والأهم برأي حميد أن المحبة التي عُرف بها سكر هي الروح التي تشيع في صفحات هذا الكتاب، مشيراً إلى أن أبرز القصائد التي كتبها أبو الشعر هي تلك التي واكبت الأحداث الفلسطينية، وهي كثيرة، وقسم منها يدرّس اليوم في المنهاج المدرسي الفلسطيني.
فن السيرة
وعن هذا الكتاب يقول د.راتب سكر في تصريحه لـ”البعث الاسبوعية” أن تجربته في مضمار فن السيرة ليست بجديدة، وقد سبق وأن كتب سيرة عدد من الأدباء، متأثراً بفنّ السيرة بما قرأه من مؤلفات التراث العربي والتجارب الأجنبية، مبيناً أن حروفه تنقلت بين محطات من سيرة الشاعر أبو الشعر شديدة الصلة بوقائع الحياة الواسعة وما يتجلى فيها من مؤثرات الثقافات المحلية والعربية والعالمية.
بين دمشق وحلب وروسيا
بدأد.راتب سكر كتابه بالحديث عن البيت الذي ولد فيه أبو الشعر في حي الأولياء في منطقة العفيف وكيف بدأ كتاباته الشعرية الأولى وهو مازال تلميذاً في المرحلة الإعدادية ومن ثم الثانوية ليبرز في مرحلة دراسته الجامعية-قسم اللغة العربية شاعراً متميزاً في كلية الآداب والكليات الأخرى، وليصدر ديوانه الأول “خواطر من الشرق” عام 1971 تلاه الثاني “صندوق الدنيا” 1972 فتعزز حضوره الشعري، خاصة بعد مشاركته في أمسية نوعية مع الشاعرين وجيه البارودي وسعيد قندقجي والتي ترددت أصداؤها طويلاً، مشيراً سكر في الكتاب إلى أن قصيدة “قارع الطبل الزنجي” كانت انعطافة مهمة في مسيرة أبو الشعر الشعرية حيث بدت شخصية الزنجي فيها محوراً عالمياً للمقهورين في الأرض.
سبارتكوس
في العام 1974 عيّن أ.أيمن أبو الشعر في حلب مدرّساً وتحول بيته إلى مركز فني وثقافي، وفيه ولدت فرقته الموسيقية “سبارتكوس” وراحت المكتبات تبيع أشرطة تسجيل الكاسيت لحفلاته الشعرية والموسيقية، في الوقت الذي كان فيه إلى جانب كبار الشعراء في أمسيات شعرية أمثال محمد مهدي الجواهري ونزار قباني وبدوي الجبل، وراح طلبة المرحلتين الثانوية والجامعية يصورون مقاطع من قصائده وتكتظ أمسياته الشعرية بروادها وهو يؤدي قصائد مبنية بتقانات سردية ومسرحية، مبشراً فيها بزوال الظلم وانتصار الحب والعدل، وما أن بلغ الثالثة والثلاثين عام 1979 حتى أصبح له حضور أدبي واسع لم يحظ به سوى شعراء قلائل في الوقت الذي كان فيه مستمراً في إصدار دواوينه “بطاقات تبرير للحب الضائع” 1974 و”طلقات شعرية” 1977 و”الحب في طريق المجرة” 1978 و”الصدى” 1979 وفي هذا العام تم إيفاده إلى معهد الاستشراق في أكاديمية العلوم السوفييتية لدراسة الدكتوراه في الأدب، وهناك عمل على ترجمة قصائد لشعراء روس، في حين تبنت دار البرافدا ترجمة قصائده إلى الروسية.. وفي العام 2018 أصدر ديوانه “سلاماً مواعيد قلبي دمشق” عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحية منه لدمشق المدينة والحضارة والتاريخ، كما صدرت له عام 2019 مسرحيته “رجل الثلج” وفي العام 2021 أصدر كتابه القصصي “اعترافات عاشق” مستمداً قصصه من الحياة والطبيعة، وقام بتوقيع كل هذه الكتب في دمشق وهو المقيم منذ سنوات طويلة في روسيا إلا أنه قطع عهداً على نفسه أن يكون في دمشق في شهر أيلول من كل عام.
جيل السبعينيات
وعن خصوصية جيل السبعينيات الذي ضم أسماء كبيرة في عالم الشعر مثل فايز خضور ونزيه أبو عفش، وغيرهما، يوضح أيمن أبو الشعر في تصريحه أن أهم خصوصية لتلك المرحلة أنها كانت تمتاز بجيل من المثقفين المتوقدين بمعظم انتماءاتهم السياسية، وكان المجتمع عموماً في حالة غليان، رافضاً لنكسة حزيران، وكانت الأعمال الإبداعية في معظمها شعراً ومسرحاً وقصة ورواية تنطلق من رفض النكسة التمسك بتفاؤل مرهون بضرورة العمل لتغيير الواقع، أما على الصعيد الإبداعي فقد شهد غزو الغموض باسم الحداثة حيث كانت معظم المنابر الإعلامية تتبنى الحداثة إلى درجة أن بعض الآراء كانت تعتبر أية قصيدة مفهومة أو قريبة من ذهن المتلقي قصيدة مرفوضةبعد أن سيطرت واقعياً فكرةُ الفن للفن وقد شذَّب الشعراء في نتاجاتهم الإبداعية هذه التوجهات وجعلوها أقرب إلى ذهن المتلقي، وهي خطوة كانت بالغة الأهمية واستطاع معظم شعراء السبعينيات تحقيقها بنجاح، ولم ينكر أبو الشعر الذي كان من أشهر الشعراء الجماهيريين أنه في البدايات كان يلبي تطلعات ورغبات الجمهور البسيط في البيئات الشعبية، فكتب ولحّن قصائد وأناشيد معظمها اتسم بالبساطة وحتى المباشرة، ثم تطورت تجربته وتطور معه الجمهور الذي بات معظمه يتابع الحركة الثقافية باهتمام، مبيناً أن الجمهور التقدمي أفاده وشذَّب تجربته وعمَّقَ الطابع السهل الممتنع والتجديد النوعي عنده، مع الحفاظ على التواصل مع المتلقي، وانتشار قصائده عبر أشرطة التسجيل ساهم في اتساع هذه الجماهيرية التي حملته إلى معظم البلدان العربية.