الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

مأزق واتجاهات

عبد الكريم الناعم

– هو (مأزق) واحد و(اتّجاهات) متعدّدة.

(المأزق) يشمل جميع المعنيّين بالمساحة التي سوف نقرأ في صفحاتها، و(الاتجاهات) تشمل الدّائرة المحيطة، وأنا هنا أتحدّث عن المأزق الصهيوني، بدعاماته الغربيّة المتصهينة، وعن الاتجاهات التي تمثّلها أقطار الدائرة المعنيّة، سواء أكانت معنيّة بذلك باهتمام وروح وطنيّة، أو كان اهتمامها نابعاً من مصالحها، ومكاسبها، أيّاً كانت.

(أفتحُ قوساً لأشير إلى أنني أكاد أرى الأعين المنصرفة عن المقالة بمجرّد الدخول في هذه المساحة، وكأنّ المنصرِف يقول “المكتوب معروف من عنوانه”)، ولهؤلاء أقول: يا أصدقائي طوّلوا بالكم علينا قليلاً، وأرجو أن يتصوّر أحدكم أنّ إسرائيل لم توجد، فهل كانت كوارثنا بحجم ما نجني بعض آثاره السلبيّة، البالغة القلق؟!!

هل يُنكر مُنكر أنّ أكثر من ثلاثة أرباع ما حصدته المنطقة من كوارث كان بسبب إسرائيل؟!!.

هذه ليست مبالغات إنشائيّة، بل هي حقائق موضوعيّة قائمة.

لعلّ مَن يقول ما علاقة إسرائيل بسوء ما يتعامل به بعض الحكام العرب مع مواطنيهم، إنْ في السياسة الخارجيّة أو الداخليّة؟!.

لهؤلاء أقول حتى في هذه فالحضور الصهيوني فيها بالغ الفاعليّة، بصيغة أو بأخرى، ويمكن تتبعّه في كلّ المواضع.

إنّ مَن يظنّ أنّ العديد من حكامنا، وحتى في زمن التهيئة لقيام ذلك الكيان، كانوا وطنيّين، مُخطئ، وقد كُشِفت الوثائق التي تدينهم،.. وما أنا بصدده ليس هروباً من مواجهة مفردات الحياة اليوميّة التي تصدم حتى أحلامنا، بل هو في الصميم منه.

– لقد حقّقت إسرائيل عدداً من كسب المعارك، منذ عام 1948 وحتى عام 2006، ولكنّها لم تحقّق أيّ (انتصار).

قد يبدو هذا القول متناقضاً في ظاهره، ولكنّ هذا التناقض يزول حين نقرأ ما قاله الجنرال بوفر، وهو من كبار المنظّرين العسكريين، إذ يقول ما مفاده إنّ (الانتصار) يعني إمّا أن تسحق عدوّك، أو تجبره على التسليم بكامل شروطك، وهذا ما كان ينتظره موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي حين جلس في مكتبه ينتظر شيئاً من هذا بعد هزيمة حزيران عام 1967، فكان الردّ في “لاءات الخرطوم” المعروفة.

– انطلاقاً من ذلك الفهم العميق لمعنى الانتصار، يمكن تحديد المأزق الذي يشمل إسرائيل، بقدر ما يشمل الذين هرولوا، أو دُفعوا للهرولة باتجاه تل أبيب.

إسرائيل في مأزق، تملك قوّة جبارة عسكريّة، وتمتلك قنابل نوويّة، ولكنّها عجزت عن جعل الفلسطينيين على صورة ما رسمه الخيال في دهاليز أوسلو، بل هي كانت بعد حرب جنوب لبنان عام 2006 تلك الحرب التي أُذلّ فيها الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر، على أيدي مقاتلي أبطال مقاومة “حزب الله” ومؤازريه إذلالاً اعترف به الصهاينة أنفسهم، فما قيمة هذا السلاح المتفوّق الذي تمتلكه، وما يعني أن تدعمها عواصم الغرب المتصهينة وهي منذ سنوات لم تنم ليلة واحدة دون الجري من مكان إلى مكان، يجرون من الصباح حتى الليل مدجّجين بأسلحتهم يُلاحقون هنا، ويهدمون هناك، ويعتقلون، وهم في حالة من الركض واللّهاث، فأيّ عيشة تلك؟!!

– الحكومات العربيّة التي خرجت من قصورها هرْولة لتلبية رغبة واشنطن يبدو مأزقهم أقلّ شراسة من مأزق أصدقائهم الصهاينة، فهم مرتاحون في قصورهم، ينعمون بخيرات الحكْم، مطمئنّين إلى رضا السيد الأمريكي، ولا يهتمّون بغير كروشهم وفروجهم.

– مأزق إسرائيل يتراكم، ويزداد تعقيداً بداية من حرب تموز في لبنان 2006، وها نحن شهدنا في الفترة المنصرمة القريبة أنّ فصيلاً واحداً، هو فصيل الجهاد الإسلامي، يصمد في وجه أحد اعتداءات الصهاينة، ويردّ بعنف!.

aaalnaem@gmail.com