“حوارات الرواية الفلسطينية في الداخل والشتات”.. كتاب عن الذاكرة الفلسطينية
أمينة عباس
احتفت الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين بتوقيع كتاب “حوارات الرواية الفلسطينية في الداخل والشتات”، بطبعته السورية التي صدرت بدمشق مؤخراً، بعد طبعة موسّعة له في القدس المحتلة، عام 2016. وقد أجمع حينها أدباء ونقّاد فلسطين أن هذا الكتاب سيكون أحد المراجع المهمّة التي يمكن الرجوع إليها في أبحاث طلبة الجامعات، ففيه معلومات عن مجموعة لا بأس بها من كتّاب الرواية الفلسطينية وأعمالهم وإصداراتهم وحياتهم الشخصية وتجربتهم الكتابية، وهذا ما جعلهم يصفون الكتاب بالموسوعي والمرجعي، علماً أن الكتاب عبارة عن حوارات أجراها الإعلامي وحيد تاجا من خلال التواصل عبر الانترنت مع أكثر من 20 كاتبة وكاتباً، غالبيتهم من الرّوائيين، ويعيش معظمهم على الأرض الفلسطينية، وكانت نشرت في عدد من المجلّات والصحف والمواقع الإلكترونية الأدبيّة المتخصّصة في العالم العربي.
حلم التواصل مع فلسطين
وبيَّن تاجا في تصريح لـ “البعث” أن فكرة الكتاب لم تكن واردة في البداية، حيث كان الهدف إجراء بعض الحوارات الصحفية الأدبية لنشرها في جريدة “الوطن” العُمانية وموقع مؤسّسة فلسطين للثقافة، وكان لقاؤه مع جمال غوشة مدير عام المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، خلال زيارته دمشق، عام 2010، للمشاركة في مهرجانها المسرحي فرصة للتواصل مع أدباء فلسطينيين من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، فمن خلالهم استطاع التواصل مع عدد من أهم أدباء الداخل، معترفاً أن أهم ما في هذا العمل بالنسبة له الحالة الروحية التي عاشها كصحفي سوري عند إجرائه حواراً مع أحد أدباء الداخل الفلسطيني، فهذا الأمر كان أقرب إلى تحقيق حلم التواصل مع فلسطين الحقيقية التي طالما شكلت القضية المركزية في حياة السوريين، منوهاً بأن تبنّي دار نشر مقدسية للكتابين له دور كبير في ولادة فكرته، وفي أن يكون موسوعة مختصرة عن الذاكرة الأدبية الفلسطينية، موضحاً أنه لم يتوقف في الكتاب عند أولئك الذين حصلوا على جوائز أدبية مهمة، وإنما أراد إعطاء فرصة للأقلام الروائية الشابة والمميزة باعتراف عدد من النقاد.
الأول من نوعه
وسبق التوقيعَ ندوةٌ تعريفيةٌ بالكتاب شارك فيها د. حسن حميد والناقد أحمد هلال، وارتأى مدير الندوة الإعلامي ملهم الصالح الإشارة إلى أهمية مقدمة الكتاب، والتي كتبها الناقد المعروف د. فيصل دراج الذي أكد أن الكتاب هو الأول من نوعه في مجاله، فهو عمل توثيقي يمرّ على أكثر من عشرين كاتباً فلسطينياً، يحاورهم، ويعرّف بأعمالهم، ويقارن بينهم بشكل صريح أو مضمر، ويربط بين كتاباتهم المتنوعة حول المأساة الفلسطينية، لهذا فهو يسدّ فراغاً واسعاً لأن الرواية الفلسطينية بقيت مشدودة إلى حقبة محدّدة، تنوس بين الستينيات ونهاية الثمانينيات، وإلى أسماء قليلة، ومن هنا يأتي كتاب تاجا لينفتح على مساحة زمنية أكثر اتساعاً، وعلى أسماء عديدة متفاوتة القيمة والمنظور، منتهياً إلى لوحة متكاملة يعثر فيها القارئ على ما يريد قوله الأدب الفلسطيني من خلال تقنيات القول والحوار كثيف الأبعاد، وهو كتاب يحتاجه كلّ باحث مشغول بالكتابة الفلسطينية، لأنه يفيد المعرفة الأدبية، كما يفيد الباحثين عن دلالة الوطن والمنفى والسجن والمخيم والكفاح المستمر، وهو كتاب عن الذاكرة الفلسطينية في شكلها الأدبي.
سيرة فلسطين
ورأى د. حميد أن الكتاب بما تضمّنه من حوارات مع كتّاب فلسطينيين، وإن كان لا يعطي صورة كاملة عن الرواية الفلسطينية، لكنه قدّم لوحة متكاملة عنها من خلال أدباء أحياء استطاع وحيد تاجا التواصل معهم، فأتى الكتاب شاملاً لكلّ ما نريد معرفته عن فلسطين من خلال 23 كاتباً فلسطينياً استطاعوا التعريف بسيرهم الذاتية التي هي عبارة عن سيرة فلسطين، فالأسئلة التي طرحها تاجا في حواراته وما تلاها من إجابات تقدّم سيرة فلسطين بألسنة الروائيين، إلى جانب حضور المكان والعلاقة المتشابكة بين الروائي والمؤرّخ والتعريف بسمات الرواية الفلسطينية والموقف من الروايات الصهيونية.
أكثر من وثيقة
وبيّن الناقد هلال أن الكتاب هو أكثر من وثيقة في سياق إضاءة مسارات واتجاهات الرواية الفلسطينية من خلال اختيار ثلاثة وعشرين روائياً وروائية داخل فلسطين وخارجها ومن أجيال وحساسيات سردية، حيث تعكس الحوارات معهم شواغلَ الروائيين الفلسطينيين وهاجسهم في البحث عن المعادل الجمالي الذي يوازي الوطن ويشتقه بأدوات ورؤى وسياقات تؤسّس لفهم أوسع للثقافة الفلسطينية وللمشهد الثقافي الفلسطيني، وبقيمة مضافة هي الحساسية النقدية للأسئلة التي أثارها وحيد تاجا بحثاً عما يؤلف الثقافة الفلسطينية داخل الوطن المحتل وخارجه، حيث يتجاوز تاجا بأسئلته المعرفية عن الرواية الفلسطينية ليضيف كشفاً في صيروراتها وصيرورات مبدعيها وفي دلالة العلاقة الروائية والموضوعات التي شغلت الروائيين الفلسطينيين، مؤكداً أن الكتاب يشكل قيمة مضافة طريقةً وأسلوباً ومعطيات للباحث عن شواغل الرواية الفلسطينية في بحثها عن المشترك الإبداعي وتشكيل الوعي في مقابل رواية الآخر الصهيوني، فضلاً عن أسئلة الهوية والذاكرة والسيرة بدلالة تموضع الرواية الفلسطينية في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي، وبمكوناتها التاريخية التي لا تنفصل عن السياق العام للرواية العربية، مؤكداً أن حوارات الكتاب تعيد التذكير بخصائص الرواية الفلسطينية، وهو ما يشكّل لدى المتلقي ثراء دلالياً في مقاربة، ليس فقط ما يشغل الروائيين على اختلاف أساليبهم وتقنياتهم، بل مدى قدرتهم على استشراف ما يخصّ وعيهم الخاص الذي لا ينفصل عن وعي القضية الفلسطينية.