قراءة في الانتخابات الأمريكية النصفية
ريا خوري
في جو سياسي محموم، بدأت النتائج الأولية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي تظهر تباعاً في الولايات التي أكدت أن أغلب التوقعات التي سبقت الاقتراع لم تتحقّق، كما كانت أظهرت استطلاعات الرأي، إذ إن الجمهوريين لم يشكلوا ما أُطلق عليه “الموجة الحمراء العملاقة”.
وهناك عدة عوامل تحكّمت في هذه الانتخابات، أهمها إحباط الناخبين بسبب التضخم الكبير الذي تعاني منه الولايات المتحدة، وعدم وفاء إدارة الرئيس جو بايدن بتعهداتها بخصوص البنية التحتية والصحة، وأمور غيرها. كما أن السياسة الخارجية التي اتبعها البيت الأبيض، من بوابة الدعم العسكري واللوجستي والمالي والإعلامي لأوكرانيا، لعبت دوراً كبيراً في مجريات هذه الانتخابات، حيث سعى الناخبون الجمهوريون إلى استغلالها بشكلٍ كبير في المعركة الانتخابية، على الرغم من أن الدعم لا يوجد اختلاف كبير عليه بين الحزبين، فكلا الحزبين متفقين على نهج تلك السياسة المعادية لروسيا، لكن الخلاف قائم حول الأسلوب والطريقة والأداء.
ومهما كانت النتيجة النهائية الرسمية التي سترسو عليها حالة الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، فإن هذه الانتخابات أظهرت جملة من المخاوف والإحباطات التي باتت تتحكّم بالشعب الأمريكي منذ بدء جائحة كوفيد-١٩، ثم اتسعت مع اندلاع الحرب الساخنة في أوكرانيا، وما تبعها من انفجار أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة وغير متوقعة منذ عقود.
من الواضح أن الشعب الأمريكي، وتحديداً أنصار الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطمحون إلى التغيير الجذريّ في الكثير من القضايا التي أدّت إلى ترهل الولايات المتحدة، وتراجع دورها الدولي، وخسارتها للعديد من المواقع الاستراتيجية في العالم، وانسحابها من العراق وأفغانستان الذي كان بطعم الهزيمة، وعدم تجاوز الصعوبات الكبيرة جداً التي تراكمت عليهم في السنوات الأخيرة، لكن المشكلة الأبرز هي أن الأوضاع السلبية والمعقّدة في أمريكا ما تزال في تزايد مستمر في الداخل الأمريكي، بسبب تشابكها ومصالحها الواسع مع المسارات العالمية.
ولأن الأزمة في العالم عامة، فإن انتصار أحد الحزبين، الجمهوري أو الديمقراطي، وهزيمة الآخر، لن تحدث تغييراً جوهرياً أو تغييراً كبيراً، ولن تجترح معجزة، وإنما مقتضيات اللعبة تفرض ذلك لتبدو أمام العالم أجمع أنها سيدة الديمقراطية في العالم.
إن المعركة النصفية، التي لم تكشف بعد كلّ تفاصيلها، تعدّ تمهيداً للنزال الرئاسي بعد عامين، أي في العام ٢٠٢٤، والذي يراهن فيه الجناح المتشدّد للحزب الجمهوري على تحقيق نصر كبير، ربما يعيد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي ما زال ينكر على الرئيس جو بايدن فوزه الرئاسي قبل عامين.
من الواضح أنً نتائج هذه الانتخابات ستعزّز الانقسام الأمريكي الحاد، وتزيد حجم ونوع الخلافات القائمة. وما شهدته خطابات الحملة الانتخابية من التراشق، وتناول الأشخاص بألعاب غير لائقة سياسياً، والخروج عن اللباقة والدبلوماسية، يؤكد أن السنتين المقبلتين لن تكونا في أحسن حال للحزبين، وخصوصاً الحزب الديمقراطي بزعامة بايدن الذي يحتفظ بالبيت الأبيض، بينما ستحتدم المنافسة داخل المعسكر الجمهوري حول المرشحين المحتملين لخوض الانتخابات التمهيدية الرئاسية القادمة، إذ يبدو أن الحزب الجمهوري بات يفتقد إلى ما يُطلق عليه “النجوم” السياسيون والشخصيات الوازنة التي تتمتّع بثقل كبير وثقة واسعة بين أوساط الشعب الأمريكي. وعلى الرغم من أن الرئيس السابق دونالد ترامب ما زال يقدّم نفسه على أنه القائد الأجدر والأقوى والقادر على تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة في العام ٢٠٢٤، إلا أن هناك أصواتاً جمهورية ترفضه بقوة، وتتهمه بإضعاف الحزب والاستهتار بجهود بعضه. والأمر نفسه ينطبق على الديمقراطيين الذين يعانون المشكلات نفسها، بل الولايات المتحدة الأمريكية بأسرها أصبحت تشكو من نقص فادح في القيادات المميزة التي يمكن أن تقودها وسط هذه المعمعة من الأزمات الداخلية، والتغيّرات الدولية المتسارعة، والتي تنبئ بتغيير قيادة العالم.