الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

سباق التريندات

سلوى عباس

في زمن مضى يعود إلى ستينيات القرن الماضي، دخل التلفزيون بيوتنا وحلَ ضيفاً على جلساتنا وسهراتنا، وطرح ما أراد دون استئذان، فكان له الأثر الكبير علينا وعلى ثقافتنا وطريقة تفكيرنا، وتبدى هذا التأثير بوجهيه السلبي والإيجابي من خلال ما يقدم لنا من برامج تلفزيونية تصاغ بنسيج فكري وجمالي يغني معرفتنا ويزيد وعينا ويمتعنا. لكن هذه الشبكة الفنية تتعثر بمطبات تحول دون تطورها والفائدة المعرفية منها، ما ينعكس سلباً على حياتنا بكافة مجالاتها الثقافية والاجتماعية والفكرية، خاصة وأن قنوات البث الأخرى تحاول فرض برامجها علينا من خلال خطة محكمة تغزو فيها شاشاتنا الصغيرة وتنافسها، وتسخّر لها كل إمكاناتها المادية والفكرية لخدمة هدفها الإعلامي في استقطاب جمهورنا وصرف نظره عن ثقافته التي فُطر عليها تراثياً وحضارياً، وقد نجحت. لكن، نحن، ماذا فعلنا لنحافظ على تميز شاشاتنا أمام تلك المحطات؟

للأسف لم نفعل شيئاً، بل غرقنا في تسطيح البرامج التي تقدم عبرها، ففي نظرة مقارنة ما بين برامجنا وبرامج الفضائيات الأخرى – التي تعرف كيف تدس السم بالدسم – نرى أن برامجنا تحتاج لكثير من الدراسة والبحث، فكم من برنامج يحمل عنواناً وافكاراً جيدة يفاجئنا معده – أو معدّته ومقدمته – بعدم إعطائه حقه من الدراسة والبحث، وتحديداً في البرامج الحوارية، حيث يتم إستضافة شخصيات أدبية وفنية لها تاريخها وبصمتها الإبداعية، ما يشجعنا على المتابعة ويمنحنا بعض التفاؤل أننا سنتابع حواراً غنياً نتعرف من خلاله على فكر هذا الضيف والغنى المعرفي الذي يتمتع به.. وهنا تتجلى وظيفة الإعداد التلفزيوني الذي يمثل العمود الفقري لأي برنامج تلفزيوني، فإعداد البرامج هو الأساس الذي تبنى عليه بقية عناصرها، والتي تحوّل ما كتب على الورق إلى صورة، وهنا تبدو مؤهلات من يرغب في تقديم برنامج تلفزيوني يعتمد على الموهبة والمعلومات والممارسة، كما يترتب على معد البرامج استيعاب مقومات صياغة الرسالة التلفزيونية، وكيفية توظيف كل عنصر فيها، ومانراه في بعض برامجنا الحوارية أن الحوار يبدأ مشوقاً لكن سرعان ما ينحدر بمستواه ويبدأ المحاور بطرح أسئلة على الضيف تحرجه، ومع أنه يبدي استغرابه وتذمره من هكذا أسئلة، إلا أن المذيع يصر على اقتناص إجابة من الضيف ليثبت هذا المحاور وجوده في عالم “التريندات” التي يباهي بها أمام زملائه ومعجبيه في عالم “السوشال ميديا” الذي طغى على حياتنا وعمل بجدارة على تسطيح العقول وتهميش الأفكار، فماذا يهم المشاهد إذا كان الضيف يساعد زوجته في المنزل أم لا؟ وماذا يعنينا إذا كان هذا الضيف يفضل هذا الفنان أم ذاك حين يحاصره المحاور بخيارات ستسبب له الإحراج مع أصدقائه وفي عمله. نحن هنا لسنا بصدد التقليل من جهد أحد، لكن من حرصنا على إعلاميينا وتميزهم المهني، وحرصنا الأهم على قنواتنا التلفزيونية وموقعها بين الفضائيات الأخرى، والتي أصبح “الريموت كونترول” هو المتحكم بحضور أي منها.