ثقافةصحيفة البعث

“سوراقيّون”.. قصائد عراقيّة في حبّ سوريّة

نجوى صليبه

في تقديمه لكتابه “سوراقيون” الصّادر حديثاً عن داري “العرب” في دمشق و”الصّحيفة العربية” في بغداد، يتجاوز عبد الرّضا الحميد أساليب التّقديم التّقليدية ببوح شفيف فوضوي صادق ـ ما يفعله المحبّ فقط ـ متنقّلاً بين الشّعر والقصّة والدّراسة والتّحليل السّياسي والمعلومة والخبر، يوضّح: “هذا الكتاب وثيقة انتماء لسورية ووفاءً لها، فقد تعددت هجرات أدباء وشعراء العراق، وكانت سورية هي قبلتهم الأولى.. وإذا كان أندريه بارو عالم الآثار الفرنسي وأوّل مدير لمتحف اللوفر قال إنّ لكلّ إنسان متحضّر وطنان، وطنه الأمّ وسورية، فماذا يقول عربي وسوراقيّ، عاش فترةً من أجمل حياته في دمشق، وهو المنتمي إليها وطناً لغةً وهويةً وعشقاً، أظنّه سيقتفي أثر محمود درويش القائل: دمشق ارتدتني يداك.. دمشق ارتديت يديك، مضيفاً: وإذا كانت “مقبرة الغرباء” في منطقة السّيّدة زينب قد احتضنت رفات عدد من الأصدقاء والأحبّة والمبدعين العراقيين، فلأنّهم عاشوا فيها وقرّروا عدم مغادرتها، كمحمد مهدي الجواهري وعبد الوهّاب البيّاتي وسعيد جواد.

حبّ بادلته سورية وأهلها بالحبّ والوفاء دائماً، فمن منّا ينسى قول الجواهري:

شممتُ تُربَكِ لا زُلفى ولا مَلَقا

وسرتُ قصدكِ لا خِبّاً ولا مذقا

دمشق عشتكِ ريعاناً، وخافقةً

ولمةً، والعيون السّود، والأرقا

ويضمّ الكتاب ثمان وعشرين قصيدة لأكثر من عشرين شاعراً عراقياً من مختلف التّجارب والمشارب والسّنوات والأغراض الشّعرية، فها هو فائز حدّاد يصف صمود سورية في الوقت الذي يستكين فيه الكثير من العرب، يقول:

طوبى لها الشّام قد أعلت بيارقنا

رغم الجراح وأعلت في الذّرى بلدا

مالي أنادي بلاد العرب أجمعها

ولا ألاقي لصوتي في النّداء صدى

ويلوم وليد حسين أيضاً مستسلمين ارتضوا أن تُحارب دمشق وأن يقفوا مكتوفي الأيدي، يقول:

أصحو على وقع يهزّ مروءتي

كييف ارتضينا محنة الإقصاء

ودمشق مازالت تعاني من عقوق

الأهل في نزف يهز سمائي

لكن وعلى الرّغم من كلّ الأزمات والمصائب يثق معروف الرّصافي باستقلال دمشق ونصرها، يقول:

عندي حديث عن دمشق فأنصتوا

فلقد رأيت اليوم طيف خيالها

شاهدتها والغُل ناهز قُرطها

والقيد مشدود على خلخالها

إلى قوله:

فعلت بقامتها وفك أسارها

وانبتّ منقطعاً وثيق عقالها

هذي هي الرّؤيا وهل تعبيرها

إلّا دمشق تفوز باستقلالها

هي ثقةٌ متأتية من معرفة هؤلاء الشّعراء بأهل سورية وطباعهم وكبريائهم ومروءتهم، فقد كانت دمشق خصوصاً، وسورية عموماً، مسكناً آمناً لكلّ من طرق بابها، سواء أكان قاصداً الإقامة الدّائمة أو المؤقتة، أم كان عابر سبيل، يقول مظفّر النّواب:

دمشق عدت بلا حزني ولا فرحي

يقودني شبح مضنى إلى شبح

ضيعت منك طريقاً كنت أعرفه

سكران مغمضة عيني من الطّفح

ولا يصف الشّعراء العراقيون دمشق وصف الغريب المنبهر بأماكنها، بل وصف ابن البلد العارف بحاراتها وأزقّتها، يقول عبد الرّزاق عبد الواحد:

من يسكن الشّام كلّ الشّام تسكنه

قد يصعب الوصف لكن.. سوف يمكنه

في كلّ بيت قديم في دمشق له

قلب تنبت على الأبواب أعيُنُه

ويتغزّل شعراء العراق بالشّام غزلهم بأنثى غانية، يقول حسين عبد الرّاضي في قصيدته “أغنية إلى دمشق”:

هي امرأة على شفق الزّمان تدور

وقفتُ على مشارفها

كخيط نور

أبحث عن سماءٍ لا تضيق

وعن مواقدَ للدّم المقرور

وهي عند جليل خزعل قصيدة عشق طويلة تمشي على مهل في شوارع دمشق وأحيائها، منتقلةً من “البحصة” إلى “أبو رمانة” فالمتحف الوطني، لنقرأ غزلاً ممزوجاً برائحة وطعم خيرات البلاد:

هل غازلت امرأة من عسل مثلي؟

غازلتُ كثيراً

لكني ألمس فيك حلاوة حمص

وروائح تفاح الجولان

عيناك بلون الفستق في حلب

ويختصر عبد الوهّاب البيّاتي الكثير من الكلام بقوله:

أحمل قاسيون

تفاحة أقضمها

وصورة أقضمها

تحت قميص الصّوف

أكلم العصفور

وبردى المسحور

فكلّ اسم شارد ووارد أذكره، عنها أكني واسمها

أعني

بحبّ يدخل الأوفياء سورية، ويخرجون منها بحبّ أكبر وشكر أكثر، يقول راسم المرواني:

شكراً

لأنّ الشّام قالت للسّحاب:

اشربْ شفاهي!!

فانهَمَرْ

يذكر أنّ الكتاب بجزئه الأوّل يقع في مائتين واثنين وستين صفحة، غلّفها الفنّان رائد خليل بصور الشّعراء وبأسماء دمشق كما وردت في الشّعر العراقي، فهي الشّمل والعقد والمعتقد والمنطلق والمقلة والحسناء والجميلة وقبلة على خدّه الأيمن وأرجوحة المهاجرين والبئر الأولى.. فكلّ محبّ يسمّي محبوبته بالاسم الأقرب إلى روحه.