نبش القمامة.. ظاهرة لا تقل خطورة عن آفة التسوّل في حلب.. والمطلوب تتضافر الجهود
البعث الأسبوعية – محافظات – معن الغادري
تبرز ظاهرة التسول في حلب كواحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية ، وهي تنتعش بصورة متزايدة وبطرق وأساليب مبتكرة، وتقودها مجموعات متخفية تقوم باستغلال الأطفال والفتيات والنساء وكبار السن وأصحاب الإعاقات الجسدية تحت عناوين العوز والحاجة والمرض والبطالة وغيرها من المشكلات الاجتماعية المزمنة.
وأخذت هذه الظاهرة مؤخراً شكلاً منظماً ومألوفاً في الشوارع والساحات والحدائق والأسواق وعلى أبواب المساجد وعند إشارات المرور، في ضوء غياب المتابعة والمحاسبة وعدم وجود تشريعات قانونية رادعة بحق الذين يستغلون براءة الطفولة والفتيات سواء من قبل أوليائهم أم مشغليهم، ومما يزيد المشكلة تعقيداً تراجع دور الجهات الحكومية والجمعيات الأهلية والخيرية المعنية بإيجاد حلول جذرية لإنهاء أو الحد من هذه الظاهرة المؤذية، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة وضع نواظم جديدة لآلية عمل هذه الهيئات، وذلك بالتعاون مع وزارة الشؤون ومديريتها في حلب، وذلك للحد من هذه الظاهرة الإجتماعية المشوهة لعاداتنا وقيمنا الأخلاقية والسلوكية .
وفي هذا السياق يؤكد محمد حمزة مدير الشؤون الاجتماعية والعمل أن مسؤولية مكافحة هذه الظاهرة المؤذية تنحصر بالوحدات الشرطية، والمنوط بها ملاحقة المتسولين وتقديمهم إلى القضاء.
وأشار حمزة إلى اتساع رقعة هذه الظاهرة مرده ضرورة تعاون كافة الجهات للقضاء على الظاهرة
وأضاف حمزة أسباب اتساع رقعة هذه الظاهرة في حلب إلى ما ألحقته الحرب الإرهاب من أضرار جسيمة على المستوى المجتمعي والأسروي ، بالإضافة إلى قلة الموارد الإقتصاديه وتضرر المصانع واللورشات الحرفية ، ما انعكس سلباً على الواقع المعيشي وزاد من الحاجة لدى فئات كثيرة من المجتمع الذين فقدوا أعمالهم وممتلكاتهم وأرزاقهم .
وبين حمزة أن حالات التسول قبل سني الحرب كانت أكثر مما عليه الآن . وهي تتخذ أشكالا عدة منها : التسول المباشر ويسمى أيضا بالتسول الظاهر وهو التسول الصريح الذي يطلب فيه المتسول المال . التسول غير المباشر :ويسمى أيضا بالتسول غير الظاهر أو المقنع وهو أن يستتر المتسول خلف خدمات رمزية يقدمها للناس، والتسول الإجباري وهو التسول الذي يجبر فيه المتسول على ممارسة هذا الفعل كحالات أجبار الأطفال على التسول .
وأكد حمزة أن معظم حالات تسول الأطفال التي نشهدها في الشوارع غالباً ما يديرها أشخاص احترفوا هذه المهنة، وإما هم آبائهم أو مشغليهم، وفي كلتا الحالتين يجبر الطفل المتسول على تحصيل مبالغ معينة يتوجب عليهم إحضارها وجمعها خلال اليوم ،وقد يتعرض الطفل في أحيان كثيرة إلى التعنيف والضرب من أهله أو مشغليه في حال لم يقدم المبلغ المطلوب ، وقد يؤدي ذلك إلى انحراف الطفل بأن يقوم بالسرقة وإلى كسر باب السيارة وسرقة مابداخلها ومن ثم الهرب .
وأشار حمزة إلى أن هناك من يتسول بقصد الحاجة والعوز وهذا النوع من التسول بالإمكان التعامل معه وذلك من خلال إعادة تأهيل الفرد على كافة الأصعدة عبر مركز متخصص تشرف عليه مديرية الشؤون، إلا أنه غير كافٍ نتيجة تزايد أداد المتسولين، وضعف الطاقة الاستيعابية للمركز، وعدم تو5ر الإمكانات المطلوبة، وهو ما يتطلب مساعدة الجمعيات الأهلية والخيرية لتوسيع عمل هذا المركز والذي لا يتسع حالياً لأكثر من ثلاثين متسولاً.
وحول خطورة تحول التسول إلى مهنة أوضح حمزة أن ذلك من أصعب وأخطر حالات التسول،إذ يتطلب تضافر كافة الجهود المعنية لمكافحته، لما لهذه الظاهرة من أثار كارثية على المجتمع والفرد على السواء فهي تعزز من فرص الجريمة وانحراف الأخلاق وتساعد على البطالة وسلب الناس أموالهم بطرق ملتوية وغير شرعية، كما أنها تغير من قيم المجتمع حول أهمية العمل والسعي نحو الكسب الشريف.
وحول ما يمكن اتخاذه من إجراءات قانونية للحد من هذه الظاهرة المسيئة للمجتمع،يعتبر مدير الشؤون حمزة أن المديرية لوحدها في ظل الامكانات المحدودة لا تكفي، وبالتالي لا بد من تحرك فاعل من قبل كافة الجهات المعنية لمجابهة أفة التسول ومنع انتشارها كونها تشكل خطراً كبيراً على المجتمع وترفع من نسب وقوع الجريمة في المجتمع، الأمر الذي يستدعي إيجاد سبل وطرق أنجع لمعالجة هذه الآفة،مع التشديد بفرض العقوبات القضائية، بحق المتسولين ومشغليهم على وجه التحديد، إضافة إلى أن إجراءات موازية تهدف إلى إعادة تأهيل هذه الشريحة وتوعيتها وتثقيفها ومن ثم زجها في المجتمع مجدداً لتكون عاملة ومنتجة.
وبما يخص طبيعة تعاطي مديرية الشؤون الاجتماعية مع هذا الملف الشائك أكد محمد حمزة أن المديرية تعمل كل ما بوسعها بالشراكة مع الجهات المعنية لمكافحة هذه الظاهرة وبكافة الوسائل، إلا أن الأمر يتطلب إمكانات كبيرة، وهو غير متاح ومتوفر حالياً، خاصة أن معظم المباني التابعة للمديرية مشغولة من جهات أخرى، وتحديداً من قبل السجن المركزي، بالإضافة إلى خروج عدد آخر من الخدمة بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بها جراء الإرهاب، وبالتالي فرص احتواء هذه الشريحة وإعادة تأهيلهم مجدداً تبدو ضعيفة جداً، وهي بحاجة إلى دعم من قبل الجمعيات الأهلية والخيرية، وإلى تضافر الجهود بين جميع الوزارات المتمثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ووزارة العدل ووزارة الداخلية ووزارة التربية ووزارة الإعلام لمكافحة هذه الظاهرة. والتأكيد على دور الإعلام كشريك حقيقي في الإضاءة على حالات التسول ومدى تأثيرها السلبي على المجتمع بأكمله .
في السياق يرى الدكتور رامي عبيد مدير أوقاف حلب أن معالجة هذه الظاهرة يجب أن يكون إنسانياً إذ أنه وبالرغم من اختصاص القضاء بالفصل في هذه المشكلة، نرى من الضرورة بمكان مد يد العون والمساعدة والصدقة والإحسان للمحتاجين والسائلين بما يساهم في الحفاظ على كرامة الناس ومشاعرهم ويصب في خدمة المصلحة العامة ، ومن هنا المحاسبة ليست وسيلة ناجعة مع غياب الرعاية ومن هنا يقع على المجتمع بمختلف مكوناته ومؤسساته مسؤولية تشاركية تتركز على رعاية واحتضان هؤلاء الأطفال والشبان والفتيات ، لأنه إهمال هذه الظاهرة قد يؤدي إلى نشوء مشاكل أكبر بكثير ربما تصل إلى حد الانحراف والسرقات والإجرام وتعاطي المخدرات ….إلخ ولابد من دق ناقوس الخطر بهذا الشأن .
وأضاف الدكتور عبيد : أنه في سياق نشر التوعية والإرشاد الاجتماعي العام كان لمديرية الأوقاف عدة مبادرات في سجن الأحداث تهدف إلى دراسة المشكلة من جذورها ومعرفة الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها من أجل وضع الأسس الصحيحة والمناسبة عند الدخول في طور المعالجة ، لأن القاعدة العامة تقول التشخيص الدقيق وتحديد أساس المشكلة يقود إلى العلاج المجدي والدقيق .
ختاماً …
لم يعد الأمر في حلب يقتصر على التسول، فالمشهد أصبح أكثر مأساوية، مع نشوء ظاهرة جديدة، لا تقل خطورة عن آفة التسول، وهي نبش القمامة من قبل أطفال وصبية شاء القدر أن يقعوا تحت رحمة من لا يرحم، فضاع مستقبلهم وغابت برائتهم في زحمة البحث عن ما تيسر لهم من مخلفات الحاويات وتجمعات القمامة، وهو ما نضعه برسم مجلسي المحافظة والمدينة لمعالجة هذه الآفة قبل أن تتحول إلى مهنة كما هو حال التسول الذي يتسع عامودياً وأفقياً ويأخذ أشكالاً عدة.