مجلة البعث الأسبوعية

 مياه السويداء .. ومليارات الليرات ديون تغرق الإدارات المتلاحقة

البعث الأسبوعية – رفعت الديك

نجحت مؤسسة المياه في تحقيق هدفها الذي تعمل عليه من عدة سنوات وفق منهجية مدروسة لم تستطيع الإدارات المتتالية تغيرها وهي “الخصخصة” وقد يكون المصطلح غير مألوف للوهلة الأولى ولكنه من يتابع عمل المؤسسة والواقع المائي فيها يجد أن المؤسسة تحولت إلى ذلك بفعل حالة من الترهل والفساد أصبحت واضحة المعالم والتي أدت إلى نتيجتين أساسيتين أولهما معظم الأسر في محافظة السويداء تشتري مياه الشرب بشكل شهري والثاني وصول ديون المؤسسة إلى أكثر من ١٥ مليار ليره سورية وأدخلها في فوضى من المستحيل حلها وهذا جزء من مخطط حيتان المؤسسة ومشغليهم الذين قادوا الواقع إلى ماهو عليه في وقت لم تعد فيه الاجتماعات ومحاولات الترميم تجدي نفعاً فذات العقلية وذات الأيادي الخفية مازالت تعيث بالمؤسسة فساداً وهدراً بلا حسيب أو رقيب.

 

حماية وهمية

في آخر أخبار الفوضى في المؤسسة تجمّع عدد من أصحاب الصهاريج أمام المؤسسة وأغلقوا مدخلها بصهاريجهم للمطالبة بمستحقاتهم المالية حيث أن المؤسسة لم تدفع المبالغ المترتبة عليها منذ تشرين الثاني 2021 وقد تجاوز مجموعها 240 مليون ليرة. هذا الخبر هو جزء من عشرات حالات المطالبة اليومية من قبل الأهالي لمعالجة الواقع ولكن في كل مرة ينبري فيها هذا المسؤول أو ذاك لمعالجة الواقع يعود بخفي حنين وتنتهي مهمته وتقصيرالمؤسسة بازدياد ملموس.

ولو أردنا تحليل واقع العمل في المؤسسة لوجدنا أن أسباب الأعطال ناجمة عن أمور فنية بحثه (احترام الغواطس أو المضخات الأفقية )التي يعزى سببها إلى القطع الترددي وانخفاض الجهد وهنا يتساءل مصدر في مؤسسة المياه فضل عدم ذكر اسمه عن دور لوحة الحماية الكهربائية والإجابة عن ذلك حسب المصدر نفسه تفتح المجال لتساؤلات أوسع عن أنواع تلك اللوحات والغواطس وصيانتها بأسلاك رديئة علماً أن دفاتر الشروط الفنية لعمليات الإصلاح تشترط تقديم أسلاك ذات منشأ أوروبي  وتصرف الفواتير على أساس ذلك ولكن الحقيقة أن الأسلاك تكون رديئة ناهيك عن العمل الفني التصحيحي لكل التجهيزات الكهربائية والميكانيكية قد تجاوز الحد المسموح به على الاعتبار أن العمر الفني للمضخة من ١٥_٢٠ سنة بينما على أرض الواقع يوجد مضخات يزيد عمرها عن ٣٥ سنة وهذا يترتب على المؤسسة أعباء مالية بمليارات الليرات

أما الموضوع الأهم حسب المصدر نفسه هو حاجة المؤسسة لتحديث أجهزة المخبر المركزي والمخابر الفرعية والتي أصبحت أيضا بحكم المنسقة وتأتي قياساتها غير دقيقة وبالتوسع أكثر في الحديث بين المصدر أن دفاتر الشروط الفنية الموضوعة للتجهيزات تأتي على قياس متعهد بعينه مثلاً الغواطس وكالة حصرية لمتعهد واحد بات معروفاً لدى الجميع بحجج واهية أنه حصل على شهادة وزارة الصناعة إضافة إلى علامات كمنتج وطني وعليه باتت معظم المضخات المستخدمة للمؤسسة تابعة للمتعهد نفسه والذي لا يكتفي بتقديم الجديد منها بل يتكفل بصيانتها مدى الحياة وهنا حصر  الإصلاح عنده طبعاً يضاف إلى بند الصيانة هذا صيانة الآليات التي تكبد المؤسسة ملايين الليرات سنوياً وبندا الصيانة هذان يفتحان باب الرزق لبعض المتنفعين الذين لا مصلحة لهم بإغلاق تلك الأبواب

في كتاب موجه لمحافظ السويداء يشرح واقع العمل في المؤسسة بين وجود مصادر مياه تلبي كافة احتياجات المشتركين سواء من مياه جوفية بعدد آبار ٢٨٥بئراً ومياه سدود سطحية وعدد من تجمعيات الآبار تلك محيدة عن التقنين وكذلك وجود منظمات مانحة تقديم مساعدات للمؤسسة من معدات خاصة بالآبار أو تقدم صهاريج أو خامات مساعدة على تنقية المياه

أما نقاط الضعف حسب الكتاب ذاته فهي نقص في اليد العاملة والخبرات الفنية العاملة على الآبار والمحطات وورش الإصلاح مما أدى إلى استئجار خبرات وتوظيف عمال مياه في بخبرات معدومة واعتماد على الورش الخاصة بتكاليف عالية زادت من مديونية المؤسسة وتفقد المؤسسة أيضا إلى ورشات إصلاح وصيانة وعدم وجود بئر تجارب تعود ملكيته للمؤسسة مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الصيانة وزيادة الهدر ومن النقاط التي أشار إليها الكتاب والتعدي على مصادر المياه والخطوط الرئيسية والفرعية واستنزاف الموارد المائي لسقاية المزروعات أو تغذية المنشآت الاستثمارية بتورط عاملين في المؤسسة أو التعدي الإرهابي والسرقات يضاف إلى ذلك الجهد المنخفض للتيار الكهربائي وفترات التقنين الطويلة وعدم كفاية المحروقات لتشغيل مجموعات التوليد

ومن المقترحات التي قدمها الكتاب هو الإصلاح الإداري في المؤسسة وإعادة هيكلة العاملين وإقامة دورات تدريبيه وتشكيل لجان مراقبة لمصادر المياه ووضع كاميرات مراقبة وعدادات غزارة وإنشاء ورشات إصلاح وصيانة إذا بيت القصيد هو العصيانات والتي في معظمها صيانة وهمية وهذا يتطلب وفق مصدر أخر في المؤسسة تشملي كافة العصيانات وعدم تجزئة النفقة وعرضها عن طريقة استدراج العروض والتخلص من شخص المتعهد الذي يقدم قطع غيار بأسعار خيالية وأنواع رديئة لدرجة أنه يتلاعب بالدمغة وتزوير أوراق الإدخال إلا أن  الغطاء الممنوح لهذا المتعهد كونه يشكل اليد أليمنه لمسئول الدرجة الأولى في بلدنا أعطاه صلاحيات السرقة بلا حسب أو رقيب.

إذاً الحل أولاً يبدأ بقطع هذا الخيط وخط الشراء عبر مراقبة دقيقة لها أما الشق الثاني فهو العصيانات التي في معظمها وهمية والتخلص من الشخصين المسؤولين عن عملية الشراء والصيانة يحل كل مشاكل المؤسسة “وبخلي الناس تشبع مي” وفق تعبيره يضاف إلى ذلك عمال الشبكة والتلاعب الذي يقومون به في توزيع المياه.

 

لجان لدراسة الواقع

كثيرة هي اللجان التي تم تشكيلها من قبل المكتب التنفيذي والتي وصلت في معظمها لنتيجة واحدة وهي عدم المتابعة الميدانية للرؤساء في كل من قسم الآبار ودائرة الصيانة وبالتالي عدم الوقوف على عمليات التركيب والتنفيذ لمجموعات الضخ والتجهيزات العامة من كابلات وبواري ولوحات تحكم وتغذية كهربائية بالشكل الأمثل وهذا أدى لخروج عدد كبير من مجموعات الضخ عن الخدمة أما النتيجة الثانية  هي عدم تأهيل وتدريب العاملين المكلفين بالعمل في هذه الآبار حيث لاحظت اللجان أن هذه الأعمال لا تتم حسب الأصول الفنية والهندسية و عدم قيام قسم الآبار ودائرة الصيانة بالبحث الدقيق عن أسباب خروج مجموعات الضخ وإيجاد الحلول السريعة والمناسبة لها لتخيف الأعطال والحد من هدر المال العام ومن النتائج التي توصلت إليها اللجان أيضا عدم قيام الدائرة المذكورة بدراسة الجدوى الاقتصادية من إصلاح مجموعات الضخ و أن وان اللجان المشكلة لا تقوم بمتابعة عمليات الصيانة بشكل كامل بدءا من فك مجموعات الضخ وصولا إلى تجميعها بحيث تكون جاهزة للعمل وأن عمليات الاستلام لا تتم بالشكل الأمثل وحسب المتطلبات الفنية التي تبين جودة الصيانة لمجموعات الضخ ومدى كفاءتها للعمل بعد عمليات الصيانة والإصلاح

 

الحيتان تسبح

طبعا عملية التذكير بمقترحات اللجان السابقة ليس من باب ملئ الفراغات بالكلمات المناسبة بل للتأكيد أنه لم يتم العمل على أي منها باستثناء تبديل بعض الطرابيش أو تغيير مواقعها فطريقة إصلاح الغاطسات رغم كل إشارات الاستفهام والتعجب حولها مازالت ذاتها ورغم معرفة الإدارة أن بيت القصيد يكمن في عملية الإصلاح تلك والتي تفتح باب التساؤلات على العديد من الاحتمالات فمتعهدي الصيانة ذاتهم ولجان الإشراف والاستلام شكلية ومتابعة عمليات الإصلاح متروكة”لمهنية المتعهد وعماله وضميرهم”أما أن تتعطل ذات الغاطسة عدة مرات وفي فترات متقاربة فهذا” لا حول للمتعهد ولا قوة” وبالنتيجة ملايين الليرات تصرف عدا ونقدا لذات المتعهدين خلال عشرة أشهر تحت بند حلول عاجلة واسعافية وطارئة ومن باب معالجة أزمة العطش في المحافظة والتي يبدو أن كل الأموال المرصودة وكل البنود في النظام الداخلي لعمل المؤسسة لن تشفع بحلها طالما أن العقلية الإدارية التي يتم العمل بها هي ذاتها حيث مازالت الحيتان والأسماك التي طالب وزير الموارد المائية سابقا بتغيرها تسبح وتمرح في المؤسسة طبعا ذلك مرتبط بعملية إصلاح الغاطسات ومع ذلك فإن تلك التوجيهات ضربت بعرض حائط الفائدة والمنفعة التي تحققها عمليات الصيانة تلك للحيتان والأسماك المقصودة والمعروفة لمجلس الإدارة.

تبريرات غير مقنعة

ومع أن تبريرات المؤسسة لم تعد مقنعة إلا أننا  لا يمكن أن ننكر أن الموسسة تعاني ما تعانيه من مشاكل وصعوبات يجب أخذها بعين الاعتبار وأهمها واقع الكهرباء وكذلك الأعماق الكبيرة لآبار المياه وما يسبب ذلك من مشاكل فنية .

مدير عام مؤسسة المياه المهندس أمين غزالي لم يخف معاناة المؤسسة بوجود نقصٍ شديد بالكوادر الإدارية والفنية، فحاجة المؤسسة من الكوادر تبلغ 728 عاملاً، وهؤلاء تقدموا للمسابقة المركزية التي أعلنت عنها وزارة التنمية الإدارية، إلا أن من حالفه حظ النجاح لا يتجاوز 480 عاملاً وهذا لا يغطي 65 بالمئة من الاحتياج، وتبقى المسألة الأكثر تعقيداً هي ساعات التقنين الطويلة للكهرباء، فمشروعات المؤسسة وبهدف تأمين المياه بشكلٍ كافٍ للأهالي تحتاج إلى نحو ٢٠ ساعة تغذية كهربائية يومياً، وهذا في ظل التقنين اليومي المتبع غير محقق على الإطلاق، أضف إلى ذلك عدم قدرة المؤسسة على تخطي مشكلة الكهرباء، بالبدائل ولاسيما مولدات الديزل، لعدم توافر مادة المازوت بالشكل الكافي لتشغيلها عند انقطاع التيار الكهربائي.

وأضاف : معوقات العمل لم تتوقف عند ما تم ذكره، فالكثير من المشروعات المائية تبقى المؤسسة عاجزة عن تنفيذها، نتيجةً لعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لها، علاوة على ما ذُكر إحجام المتعهدين عن التقدم إلى المشروعات المُعلن عنها من المؤسسة وخير مثال على ذلك بئر ريمة اللحف الذي أعلن عنه أكثر من مرة ولم يتقدم أحد إلى المناقصة، إضافة لتسرب عدد كبير من العاملين من جراء تقديم استقالاتهم بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة و ارتفاع تكاليف النقل من وإلى أماكن عملهم.

 

الحلول موجودة

بالعودة إلى الواقع الراهن وبعيدا عن تقارير اللجان التي ضرب بها عرض الحائط كما ستضرب التقارير  والمستقبلية سواء كانت تقارير لجان أو تقارير تفتيشية طالما الحيتان موجودة وهذا بالضرورة يتطلب اجراء تغير جذري شامل في هيكلية المؤسسة وليس فقط ببعض الشخصيات فيها وأول هذا التغيير هو ذهنية العمل والتعاطي مع المشكلات.

وأولى تلك المشكلات هي مشكلة إصلاح الغاطسات التي تعتبر من أهم المشاكل التي تثير تساؤلات حول أليه العمل في المؤسسة وتعريف الغاطسات حسب قاموس القائمين على الصيانة في المؤسسة هي مجموعات ضخ المياه من أعماق الآبار يجب أن تكون كثيرة الأعطال جراء التيار الكهربائي غير المنتظم أو غزارة المياه أو نضوبها أو جراء حركة أمواج المحيط الهادي يتم إصلاحها عند متعهد واحد”خلقته المهنة وكسرت القالب”ويجب الوثوق به ثقة عمياء بحيث لا يتم سؤاله ماذا فعلت وكيف أصلحت وحتى اللحظة لم يتم تأهيل كوادر فنية محلية قادرة على القيام بذات المهمة تحت عين وإشراف ومتابعة الإدارة رغم العمر الزمني الطويل للمشكلة والنداءات المتكررة لإيجاد حلول لها ليبقى ذات التعريف قائما والحلقة مفقودة و العمل بالحلول الاسعافية والطارئة مازال سائدا والسباق بين الأزمة والحلول ما زال لصالح تصاعد الأزمة حتى اللحظة ومشروع اصطياد المياه الذي طرحته الوزارة كمشروع استراتيجي يجب أن تسبقه عملية اصطياد للأسماك والحيتان التي تسبح في أروقة مديريات المؤسسة وهذا يوفر الكثير من الجهد والمال لاصطياد المياه لاحقا ولابد لمجلس إدارة المؤسسة أن يضطلع بمسؤولياته الكاملة في اتخاذ قرارات إستراتيجية بدأ من الهيكل التنظيمي والنظام الداخلي للمؤسسة وصولا إلى حلول إستراتيجية لأزمة المياه.