مجلة البعث الأسبوعية

لماذا يريد الناتو أن يحل محل الأمم المتحدة ؟

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

زعم بيان منظمة حلف شمال الأطلسي الذي صدر بعد اليوم الأول من قمتها السنوية التي عُقدت في الفترة الممتدة من 11 إلى 12 تموز الحالي في فيلنيوس، ليتوانيا أن “الناتو هو تحالف دفاعي”.

لكن من خلال إلقاء نظرة سريعة على أحدث الأرقام المتعلقة بالإنفاق العسكري، تُظهر عكس ذلك، حيث تشكل دول الناتو والبلدان المتحالفة نحو ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العالمي السنوي على الأسلحة، كما تمتلك العديد من هذه الدول أنظمة أسلحة متطورة نوعية، وأكثر تدميراً من تلك التي تمتلكها جيوش معظم الدول غير الأعضاء في الناتو.

على مدى ربع القرن الماضي، استخدم الناتو قوته العسكرية لتدمير العديد من الدول، مثل أفغانستان عام 2001، وليبيا في عام2011، كما أنهى يوغوسلافيا عام 1999 كدولة موحدة. لذلك من المؤكد أنه بالنظر إلى هذا السجل، لا يمكن الحفاظ على وجهة النظر القائلة بأن الناتو هو “تحالف دفاعي”.

في الوقت الحالي، يضم الحلف 31 دولة، أحدثها هي فنلندا التي انضمت في نيسان الماضي. ومن الجدير بالذكر أن عدد أعضاء الحلف تضاعف منذ أن وقع الأعضاء المؤسسون الاثني عشر – جميع دول أوروبا وأمريكا الشمالية التي كانت جزءاً من الحرب ضد دول المحور- على تأسيس واشنطن أو معاهدة شمال الأطلسي في 4 نيسان 1949.

 

تفكك الاتحاد السوفييتي

لم يضع تفكك الاتحاد السوفييتي والدول الشيوعية في أوروبا الشرقية – وهو التهديد المزعوم الذي برر الحاجة إلى حلف الناتو في البداية – حداً لتوسع هذا التحالف. وبدلاً من ذلك، ضاعفت عضوية الناتو المتزايدة من طموحه لاستخدام قوته العسكرية، من خلال المادة 5 وذلك لإخضاع أي شخص يتحدى “الحلف الأطلسي”.

كان “التحالف الأطلسي”، جزءاً من شبكة أوسع من المعاهدات العسكرية التي ضمنتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفييتي، وبعد تشرين الأول 1949، ضد الصين.

تضمنت هذه الشبكة ميثاق مانيلا في أيلول 1954، الذي أنشأ منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا “سياتو”، وميثاق بغداد في شباط 1955، الذي أنشأ منظمة المعاهدة المركزية “سينتو”.

كما وقعت تركيا وباكستان اتفاقية عسكرية في نيسان 1954، جمعتهما معاً في تحالف ضد الاتحاد السوفييتي، وقد تحقق ذلك من خلال عضو الناتو الواقع في أقصى الجنوب أي تركيا، وعضو منظمة “سياتو” في أقصى الغرب من باكستان. وقد وقعت الولايات المتحدة صفقة عسكرية مع كل من أعضاء “سنتو”، و “سياتو” وتأكدت من حصولها على مقعد في هذه الهياكل.

ومع ذلك، تم حل منظمة “سياتو” في عام 1977، ويرجع ذلك جزئياً إلى هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام، كما تم حل منظمة الحلف المركزي “سنتو” في عام 1979، على وجه التحديد بسبب الثورة الإيرانية في ذلك العام.

حولت الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تركيزها من استخدام هذه الأنواع من الاتفاقيات إلى إنشاء وجود عسكري مباشر مع تأسيس القيادة المركزية الأمريكية في عام 1983، وإعادة تنشيط القيادة الأمريكية في المحيط الهادئ في نفس العام.

كما وسعت الولايات المتحدة من قوة بصمتها العسكرية العالمية بما في ذلك قدرتها على توجيه الضربات في أي مكان على هذا الكوكب بسبب قواعدها العسكرية وأساطيلها المسلحة، والتي لم تعد مقيدة بمجرد انتهاء معاهدة لندن البحرية الثانية لعام 1930 في عام 1939.

على الرغم من أنه كان لدى الناتو على الدوام طموحات عالمية، فقد حصل الحلف على حقيقة واقعية من خلال مشاريع القوة العسكرية الأمريكية، وإنشاء هياكل جديدة زادت من ربط الدول الحليفة في مداره ليصبح الناتو أداة لتقليص رغبة الأغلبية العالمية في السيادة والكرامة.

الناتو بعد الحرب الباردة

أدى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى تغيير واقع أوروبا، وسرعان ما تجاهل الناتو “الضمانات الصارمة” التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر لوزير الخارجية السوفييتي إدوارد شيفرنادزه في موسكو في 9 شباط 1990 بأن “قوات الناتو لن تتحرك شرقًا” من الحدود الألمانية.

في الحقيقة، عانت العديد من الدول المجاورة لمنطقة الناتو بشكل كبير في الفترة المباشرة لسقوط جدار برلين، حيث كانت الاقتصادات في حالة ركود كما طغت الخصخصة على إمكانية عيش سكانها بكرامة.

وقد أدركت العديد من الدول في أوروبا الشرقية، التي كانت في أمس الحاجة إلى دخول الاتحاد الأوروبي التي وُعدت بالوصول إلى السوق المشتركة، أن الانضمام إلى حلف الناتو هو ثمن القبول.

وفي عام 1999، انضمت التشيك والمجر وبولندا إلى الناتو، تلتها في عام 2004 دول البلطيق: إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وبلغاريا ورومانيا وسلوفينيا وسلوفاكيا. وحرصاً على الاستثمارات والأسواق، انضم العديد من هذه البلدان بحلول عام 2004 إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

واصل الناتو التوسع، واستوعب ألبانيا وكرواتيا في عام 2009 والجبل الأسود في عام 2017 ومقدونيا الشمالية في عام 2020.

ومع انهيار بعض البنوك الأمريكية، وتضاءل جاذبية الولايات المتحدة كسوق الملاذ الأخير، ودخول العالم الأطلسي في كساد اقتصادي بعد عام 2007، لم تعد دول الحلف قوة يمكن الاعتماد عليها كمستثمرين أو كأسواق، فبعد عام 2008، انخفض الاستثمار في البنية التحتية في الاتحاد الأوروبي بنسبة 75 في المائة بسبب انخفاض الإنفاق العام.

الصين

بدأ وصول الاستثمار الصيني وإمكانية الاندماج مع الاقتصاد الصيني في إعادة توجيه العديد من الاقتصادات، خاصة في وسط وشرق أوروبا، بعيداً عن المحيط الأطلسي.

وفي عام 2012، عُقدت القمة الأولى بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا  في وارسو، بمشاركة 16 دولة في المنطقة.

اجتذبت العملية في نهاية المطاف 15 عضواً في الناتو، بما في ذلك ألبانيا وبلغاريا وكرواتيا وتشيكيا وإستونيا واليونان والمجر ولاتفيا وليتوانيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا في عام 2021.

في عام 2022، انسحبت إستونيا ولاتفيا وليتوانيا من المبادرة. وفي آذار 2015، كانت ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي آنذاك – فرنسا وألمانيا وإيطاليا ولوكسمبورغ والسويد والمملكة المتحدة – قد انضمت إلى بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية، ومقره بكين.

بعد أربع سنوات، أصبحت إيطاليا أول دولة في مجموعة السبع تنضم إلى مبادرة الحزام والطريق، وأصبح ثلثا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الآن جزءاً من مبادرة الحزام والطريق، وقد أبرم الاتحاد الأوروبي الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمار في عام 2020.

هددت هذه المناورات تجاه الصين بإضعاف الحلف الأطلسي، حيث وصفت الولايات المتحدة الصين بأنها “منافس استراتيجي” في “استراتيجية الدفاع الوطني” لعام 2018، وهي عبارة تشير إلى تحول تركيزها على ما يسمى تهديد الصين.

تأثير أوكرانيا

قدمت العملية الخاصة في أوكرانيا حياة جديدة للحلف الأطلسي، ما دفع العديد من الدول الأوروبية المترددة – مثل السويد – إلى صفوفه. ومع ذلك، حتى بين الأشخاص الذين يعيشون داخل دول الناتو، هناك مجموعات تشكك في أهداف الحلف، حيث تميزت قمة فيلنيوس باحتجاجات مناهضة لحلف الناتو.

شدد بيان قمة فيلنيوس على مسار أوكرانيا في الانضمام إلى حلف الناتو، وركز على المصير العالمي المحدد لحلف الناتو، حيث أعلن بيان القمة، أن الصين تتحدى “مصالحنا وأمننا وقيمنا”، حيث تدعي كلمة “لنا” أنها لا تمثل دول الناتو فحسب، بل النظام الدولي بأكمله.

ببطيء، يضع الناتو نفسه كبديل عن الأمم المتحدة، ما يشير إلى أنه – وليس المجتمع الدولي الفعلي – هو الحَكَم والوصي على “مصالح العالم وأمنه وقيمه”. وهذا الرأي تناقضه الغالبية العظمى من شعوب العالم، حيث أن 7 مليارات منهم لا يقيمون حتى في الدول الأعضاء في الناتو، التي يبلغ إجمالي عدد سكانها أقل من مليار، وهؤلاء المليارات يتساءلون لماذا يريد الناتو أن يحل محل الأمم المتحدة؟.