مجلة البعث الأسبوعية

العالم إلى 8 مليارات نسمة.. ماذا  ينتظر البشرية؟

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات في 15 تشرين الثاني 2022، وقد جعل هذا الرقم المهم العالم يولي مزيداً من الاهتمام لسكان العالم، وما يرتبط به من قضايا مثل كيف سيتغير الرقم الإجمالي، ومعدل النمو في المستقبل، وما إذا كان كوكب الأرض قادراً على تحمل  زيادة عدد السكان بشكل متزايد؟.

في الواقع، تم التوصل إلى إجماع جميع الأطراف بشكل أساسي حول بعض القضايا، ومع ذلك فقد أثار هذا أيضاً المزيد من الأفكار وحتى الارتباك حول ما يخبئه المستقبل للبشرية.

يعتبر القرن العشرين قرن انفجار النمو السكاني، حيث كان عدد سكان العالم في بداية القرن ، 1.6 مليار فقط، وبحلول نهاية القرن، ازداد عدد سكان العالم إلى 6.1 مليار في زيادة تقارب أربعة أضعاف، وهو معدل من غير المرجح أن يتكرر في هذا القرن.

إن وصول عدد سكان العالم إلى 8 مليارات يعتبر دلالة هامة تمثل نهاية حقبة من النمو السكاني السريع، حيث تفترض معظم التوقعات أيضاً أن عدد السكان سيبلغ ذروته في وقت ما في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، ثم يستقر أو ينخفض ​​تدريجياً.

مع استمرار عدد سكان العالم في النمو، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان بإمكانه اختراق العشرة مليارات، لكن بغض النظر عما إذا كان العدد سيصل إلى ذروته، فإن الزيادة المستمرة في عدد السكان ستضع بالتأكيد بعض الضغط على العالم، وستكون القضية الرئيسية هي كيف يمكن الحفاظ على هذا العدد الهائل من السكان؟.

في هذا الخصوص قدمت دراسات إجابات مختلفة على نطاق واسع، حيث أنه وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة فإن من بين 65 دراسة ذات صلة، تعتقد 20 منها أن كوكب الأرض يمكن أن يحمل ما يصل إلى 8 مليارات نسمة، وتعتقد 13 دراسة أخرى أن قدرته الاستيعابية أقل من 8 مليارات، بينما تعتقد 32 دراسة أن الرقم يجب أن يكون أكبر من 8 مليارات.

يعتقد البعض أيضاً أن القدرة الاستيعابية للأرض تتغير مع تقدم الحضارة الإنسانية، فعلى سبيل المثال، قبل 1000 عام، كان يمكن للأرض أن تحافظ على أقل من 500 مليون شخص، بينما قبل 100 عام كان هذا العدد 2 مليار شخص، إضافة إلى أن ذلك يعتمد إلى حد كبير على عادات استهلاك الناس، حيث يشير بعض العلماء إلى أنه إذا كان كل شخص على هذا الكوكب يعيش مثل الطبقة الوسطى الأمريكية، فقد تكون القدرة الاستيعابية للكوكب حوالي 2 مليار شخص فقط.

لن يتركز النمو السكاني العالمي المستقبلي في أوروبا، أو الولايات المتحدة، أو حتى الصين. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يظهر النمو السكاني في بعض البلدان الأفقر في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية، إذ تتوقع الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2050، سيتركز أكثر من نصف النمو السكاني في العالم في ثمانية بلدان، وهي  جمهورية الكونغو الديمقراطية، ومصر، وإثيوبيا، والهند، ونيجيريا، وباكستان، والفلبين وتنزانيا. وبعد عام 2050، من المتوقع أن تساهم منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من نصف النمو السكاني في العالم، وقد يدخل كوكب الأرض حقبة لا يحدث فيها النمو السكاني المستدام إلا في إفريقيا.

تكمن المشكلة أنه حتى في مستويات المعيشة المنخفضة، فإن السكان الحاليين في أماكن مثل بلدان معينة في إفريقيا هم بالفعل في حالة نسيان، حيث تواجه هذه البلدان في المناطق المتخلفة حالياً مشاكل واسعة النطاق مثل سوء الإدارة، والتدهور البيئي، ونقص الغذاء، والنية التحتية غير الملائمة، ففي حالة عدم وجود تنمية اقتصادية مضمونة، فإن الزيادة في عدد السكان في المناطق الأكثر فقراً ستضع فقط المزيد من الأعباء على الناس، ولن تعزز بشكل كبير الناتج الاقتصادي من خلال زيادة القوة العاملة التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الرفاهية الاجتماعية. لذا من المنطقي التكهن بأن الكثير من النمو السكاني المتركز في المناطق الأقل قدرة على التأقلم يمكن أن يؤدي إلى بعض أسوأ العواقب، بما في ذلك الصراع بين الدول، والحرب الأهلية، والدمار البيئي، والحكومات المختلة أثناء الأزمات.

تجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ المقترن بالنمو السكاني سيجعل الوضع في المناطق ذات الصلة أكثر سوءاً، فعلى سبيل المثال، القارة الأفريقية التي تضم 54 دولة، والتي تمثل حالياً 15٪ من سكان العالم، هي القارة الأكثر تضرراً نتيجة الطقس القاسي مثل الفيضانات والجفاف. كما أظهرت الدراسات أن المناطق المتأثرة بالجفاف في العديد من البلدان الأفريقية قد توسعت بنسبة تصل إلى 40٪ منذ الثمانينيات، ربما بسبب تغير المناخ. ووفقاً للتقديرات، يتأثر 250 مليون شخص في إفريقيا بندرة المياه الحادة، ومن المتوقع أن يتشرد ما يصل إلى 700 مليون شخص بحلول عام 2030، و حتى في عام 2030، من غير المحتمل أن تكون أربعة من كل خمسة بلدان أفريقية قد تمكنت من إدارة موارد المياه على نحو مستدام. وبسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية، يمكن أن يكون لاجئو المناخ على نطاق واسع في إفريقيا، إلى جانب الشرق الأوسط والهند والبرازيل ومناطق أخرى.

بالنسبة لبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فإن الوضع مختلف نوعاً ما، حيث تعاني جميع البلدان مرتفعة الدخل تقريباً، ومعظم البلدان المتوسطة الدخل الآن من معدلات خصوبة منخفضة، بالإضافة إلى تباطؤ معدلات النمو السكاني، ويشهد عدد متزايد من البلدان انخفاضاً في عدد السكان. ولذلك تعمل العديد من البلدان على رفع مستويات الخصوبة، ومنع الانخفاض السريع في عدد السكان. إضافة إلى أن هناك أيضاً وعي متزايد بين الحكومات بأن تدابيرها للعمل على هذا الأمر ستكون محدودة في الفعالية ما لم تكن على استعداد لقبول هجرات واسعة النطاق. ومع ذلك ، من الناحية التاريخية والواقعية، غالباً ما لا يكون هذا خياراً شائعاً جداً أو حتى مقبولاً.